وقولُه: «ومنها: مكرُ الله بالماكر، ومخادعتُه
للمخادع» كما في قولِه تعالى: {وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ} [الأنفال: 30] ،
وقولِه: {يُخَٰدِعُونَ
ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ} [النساء: 142] ، «واستهزاءُه
بالمستهزئِ» كما في قولِه تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ
إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ١٤ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ
فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ ١٥} [البقرة: 14، 15] ، وقولِه: { فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ
سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ} [التوبة: 79] ، «وإِزَاغَتُهُ
للقلبِ الزَّائِغِ عن الحقِّ» كما في قولِه تعالى: { فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ
قُلُوبَهُمۡۚ} [الصف: 5] ، وهذه
كلُّها مقابلاتٌ من بابِ الجزاءِ، والجزاءُ مِن جِنْسِ العمل.
وقولُه: «ومنها: نَكْسُ القلبِ» فلا يستطيع أَنْ
يُميِّزَ، «حتى يرى الباطلَ حقاًّ والحقَّ
باطلاً»؛ لأَنَّ قلبَه منكوسٌ.
وقولُه: «ويُفْسِدُ ويَرَى أَنَّه يُصْلِحُ»، كما في قولِه
تعالى: {وَإِذَا
قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ
١١أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ ١٢} [البقرة: 11، 12] ،
فهُمْ يُسمُّون الإِفْسادَ إِصْلاحاً؛ لاِنْتِكَاسِ قلوبِهم.
وقولُه: «ومنها: حِجابُ القلبِ عن الرَّبِّ في
الدُّنْيَا، والحِجابُ الأَكْبَرُ يومَ القيامةِ»، يَحْجِبُ القَلْبَ
حِجابان:
الأَوَّلُ: حِجابٌ في
الدُّنْيا، فلا يذكر اللهَ، ولا يحبُّ اللهَ عز وجل ، وينصرف عن اللهِ كُلِّيًا،
ويكون هَمُّهُ في شهواته ورغباتِه وما يحصل له من مطامعِه، فهذا حُجُبٌ عن اللهِ
عز وجل في الدُّنْيا.
الثَّاني: حِجابُ في الآخِرة، وهو أَشَدُّ، حيث يرى المؤمنون ربَّهم، ويتلذَّذون برُؤْيَتِه، وهذا محجوبٌ عن ربِّه لا يراه، فكما حُجِبَ عنه في الدُّنْيَا حُجِبَ عنه في الآخِرة. وكما رَأَى المؤمنون ربَّهم في الدُّنْيَا بالبصيرةِ لا بعين البصر، وعَرَفُوهُ سبحانه وتعالى وآمنوا بِه، كذلك يرونه يومَ القيامةِ عِيَاناً بأَبْصارِهم.