×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

 وَمِنْهَا: الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْبَرْزَخِ، وَالْعَذَابُ فِي الآْخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: { وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ} [طه: 124] .

وَفُسِّرَتِ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّهُ مِنَ الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ، وَالآْيَةُ تَتَنَاوَلُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الإِْثْبَاتِ، فَإِنَّ عُمُومَهَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ رَتَّبَ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ عَلَى الإِْعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِهِ.

فَالْمُعْرِضُ عَنْهُ لَهُ مِنْ ضَنْكِ الْمَعِيشَةِ بِحَسَبِ إِعْرَاضِهِ، وَإِنْ تَنَعَّمَ فِي الدُّنْيَا بِأَصْنَافِ النِّعَمِ، فَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْوَحْشَةِ وَالذُّلِّ وَالْحَسَرَاتِ الَّتِي تَقْطَعُ الْقُلُوبَ، وَالأَْمَانِي الْبَاطِلَةِ وَالْعَذَابِ الْحَاضِرِ مَا فِيهِ، وَإِنَّمَا يُوَارِيهِ عَنْهُ سَكَرَاتُ الشَّهَوَاتِ وَالْعِشْقِ وَحُبِّ الدُّنْيَا وَالرِّيَاسَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ سُكْرُ الْخَمْرِ، فَسُكْرُ هَذِهِ الأُْمُورِ أَعْظَمُ مِنْ سُكْرِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ يَفِيقُ صَاحِبُهُ وَيَصْحُو، وَسُكْرُ الْهَوَى وَحُبِّ الدُّنْيَا لاَ يَصْحُو صَاحِبُهُ إِلاَّ إِذَا كَانَ صَاحِبُهُ فِي عَسْكَرِ الأَْمْوَاتِ.

فَالْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ لاَزِمَةٌ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي دُنْيَاهُ، وَفِي الْبَرْزَخِ وَيَوْمَ مَعَادِهِ.

وَلاَ تَقَرُّ الْعَيْنُ، وَلاَ يَهْدَأُ الْقَلْبُ، وَلاَ تَطْمَئِنُّ النَّفْسُ إِلاَّ بِإِلَهِهَا وَمَعْبُودِهَا الَّذِي هُوَ حَقٌّ، وَكُلُّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ، فَمَنْ قَرَّتْ عَيْنُهُ بِاللَّهِ قَرَّتْ بِهِ كُلُّ عَيْنٍ، وَمَنْ لَمْ تَقَرَّ عَيْنُهُ بِاللَّهِ تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا جَعَلَ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَعَمِلَ صَالِحًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ } [النَّحْلِ: 97] . فَضَمِنَ لأَِهْلِ الإِْيمَانِ وَالْعَمَلِ


الشرح