وهنا فائِدةٌ
أُخْرَى، وهي: أَنَّ الإِصْرارَ على الصَّغيرةِ والمداومةِ عليها يُحَوِّلُهَا إِلَى
كبيرةٍ، ولهذا قالوا: «لا كبيرةَ معَ
اسْتِغْفَارٍ، ولا صغيرةَ مع إِصْرَارٍ»، فإِذَا كرَّر الصَّغيرةَ وداوم عليها
وتساهل بِها صارتْ كبيرةً.
فإِذَا تساهل بالمعصية
وتساهل باللهِ عز وجل الذي نَهَي عنها صارتْ كبيرةً، وليس ذلك من ناحية ذاتِها،
وإِنَّما من ناحيةِ ما اقْتُرِنَ بِها من عدمِ الحياةِ من اللهِ، والاستخفافِ
بأَوَامِرِه جل وعلا ، يعني: نَظَرَ إِلَيها على أَنَّها ليستْ بشيءٍ، وأَنَّها
سهلةٌ، ونحوُ ذلك، فصارتْ كبيرةً والعياذُ باللهِ.
وقولُه: «فالنَّظرُ إِلَى مضن عصى أَمْرَه وانْتَهَكَ
محارمَه يوجب أَْن تكونَ الذُّنوبُ كلُّها كبائِر» هذا توجيهُ الذين لا
يُقسِّمون الذُّنوبَ، ويقولون: كلُّ ما نَهَى اللهُ عنه فهو كبيرةٌ، وذلك من ناحية
الاستخفافِ بأَوَامِرِ الله والمجاهرةِ بالمعصية، وعدمِ المبالاة، وعدمِ الحَيَاءِ
من اللهِ عز وجل ، هذه كلُّها أُمُورٌ تُشَدِّدُ المعصيةَ وتجعلُها كبيرةً.
وقالوا: من هذه النَّاحيةِ
لا فرقَ بينَ الاستخفافِ بحقِّ اللهِ، والتَّهاوُنِ بالمعاصي، وعدمِ المبالاة؛
لأَنَّها سببٌ في تَحَوُّلِ المعاصي كلِّها إِلَى كبائِرِ.
***
الصفحة 11 / 436