وقولُه: «حتَّى نَهَى عن صلاةِ التَّطوُّعِ للهِ
سبحانه عندَ طلوعِ الشَّمْسِ وعندَ غروبِها»؛ لأَنَّ هذا سَدٌّ لوسيلةِ الشِّرْك،
فقد كان المشركون يسجدون للشَّمْس عندَ طلوعِها وعندَ غروبِها، فنَهَانَا صلى الله
عليه وسلم عن الصَّلاةِ للهِ في هذا الوقتِ؛ لئَلاَّ نَتَشَبَّهَ بِهم.
ولمَّا قَدِمَ مُعَاذُ رضي
الله عنه مِن سفرٍ وقَدْ رَأَى فيه أُناساً يسجدون لملوكِهم، ظنَّ أَنَّ الرَّسُولَ
أَحقُّ بذلك، فأَرَادَ أَنْ يسجدَ له، فمَنَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من
ذلك وقال: «لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ أَنْ
يَسْجُدَ لأَِحَدٍ إِلاَّ للهِ»، وفي رِوَايَةٍ: «لاَ يَصْلِحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، ولَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ
أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لزَوْجِهَا، مِنْ
عَظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا»، فالسُّجُودُ لا يكون إِلاَّ لِلَّهِ، فإِنْ كان
سُجُودُ العِبَادَةِ فهذا مفروغٌ منه لأَنَّه شِرْكٌ أَكْبَرُ، وأَمَّا سُجُودُ
التَّحِيَّةِ وسجودُ التَّعْظيمِ، والاِنْحِنَاءِ، فهذا لا يجوز؛ لأَنَّه نوعٌ من
التَّعْظيم لغيرِ اللهِ.
وقولُه: «لاَ يَنْبَغِي»، هذه كلمةٌ قويَّةٌ في المَنْعِ، كما قال تعالى: {وَمَا يَنۢبَغِي لِلرَّحۡمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] ، وقال: {وَمَا عَلَّمۡنَٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُۥٓۚ} [يس: 69] ، فالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ليس بشاعرٍ، ولا ينبغي له أَنْ يكونَ شاعرًا، وقال: {وَمَا تَنَزَّلَتۡ بِهِ ٱلشَّيَٰطِينُ ٢١٠وَمَا يَنۢبَغِي لَهُمۡ وَمَا يَسۡتَطِيعُونَ ٢١١}
[الشُّعَرَاءِ: 210، 211] ، يعني: ما تنزلتْ
بالقُرْآنِ؛ لأَنَّه تنزيلٌ من عندِ اللهِ عز وجل ، فلا يُقَرِّبُهُ الشَّيْطَانُ،
وما ينبغي له أَنْ يَتَنَزَّلَ بِه.
***
الصفحة 8 / 436