فَلاَ
مُبَارِكَ إِلاَّ هُوَ وَحْدَهُ، وَلاَ مُبَارَكَ إِلاَّ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ،
أَعْنِي إِلَى أُلُوهِيَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ، وَإِلاَّ فَالْكَوْنُ
كُلُّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَخَلْقِهِ، وَكُلُّ مَا بَاعَدَهُ مِنْ
نَفْسِهِ مِنَ الأَْعْيَانِ وَالأَْقْوَالِ وَالأَْعْمَالِ فَلاَ بَرَكَةَ فِيهِ،
وَلاَ خَيْرَ فِيهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْهُ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ مِنَ
الْبَرَكَةِ عَلَى حَسَبِ قُرْبِهِ مِنْهُ.
وَضِدُّ الْبَرَكَةِ:
اللَّعْنَةُ؛ فَأَرْضٌ لَعَنَهَا اللَّهُ أَوْ شَخْصٌ لَعَنَهُ اللَّهُ أَوْ
عَمَلٌ لَعَنَهُ اللَّهُ أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ،
وَكُلَّمَا اتَّصَلَ بِذَلِكَ وَارْتَبَطَ بِهِ وَكَانَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ فَلاَ
بَرَكَةَ فِيهِ الْبَتَّةَ. وَقَدْ لَعَنَ عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ وَجَعَلَهُ
أَبْعَدَ خَلْقِهِ مِنْهُ، فَكُلُّ مَا كَانَ جِهَتَهُ فَلَهُ مِنْ لَعْنَةِ
اللَّهِ بِقَدْرِ قُرْبِهِ وَاتِّصَالِهِ بِهِ.
فَمِنْ هَاهُنَا كَانَ
لِلْمَعَاصِي أَعْظَمُ تَأْثِيرٍ فِي مَحْقِ بَرَكَةِ الْعُمُرِ وَالرِّزْقِ
وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَكُلُّ وَقْتٍ عَصَيْتَ اللَّهَ فِيهِ، أَوْ مَالٍ
عُصِيَ اللَّهُ بِهِ، أَوْ بَدَنٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ فَهُوَ
عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَ لَهُ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ عُمُرِهِ وَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ
وَجَاهِهِ وَعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ إِلاَّ مَا أَطَاعَ اللَّهَ بِهِ.
وَلِهَذَا مِنَ النَّاسِ
مَنْ يَعِيشُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَيَكُونُ عُمُرُهُ
لاَ يَبْلُغُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا، كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ
يَمْلِكُ الْقَنَاطِيرَ الْمُقَنْطَرَةَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَكُونُ
مَالُهُ فِي الْحَقِيقَةِ لاَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَهَكَذَا
الْجَاهُ وَالْعِلْمُ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ
صلى الله عليه وسلم : «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلاَّ
ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالاَهُ، أَوْ عَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ» ([1]).
وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: «الدُّنْيَا
مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ مَا كَانَ لِلَّهِ» ([2]).
فَهَذَا هُوَ الَّذِي فِيهِ
الْبَرَكَةُ خَاصَّةً، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
***
الصفحة 4 / 436