والقضاء... إلى آخره، ولكن لما تأخر الزمان، فصلوا
علم التوحيد على حِدة، وجعلوا قسم العبادات وما يتبعها على حِدة، كما هو في الكتب
الموجودة الآن على المذاهب الأربعة، ومن هذه المُؤلَّفات رسالة ابن أبي زيد،
ألَّفها في فقه الإمام مالك ومذهبه، وبدأها بمقدمة في التوحيد، على نمط ما عليه
المتقدمون من العلماء، وهذه المقدمة اعتَنَى بها العلماء شرحًا وتوضيحًا، وكذلك
حفظًا ونَظْمًا؛ لاختصارها ولأهميتها، وسلامتها من الأخطاء؛ لأنها أُلِّفت على
مذهب السَّلف الصالح.
وشُرِحت هذه المقدمة بشُروح انحرف بعضها عن معانيها الصحيحة،
وحَوَّروها إلى المذاهب المتأخرة، ولكن شروحها القديمة وما جاء على نظمها من
الشروح المتأخرة سليمة، والحمد لله!
وكان عهد الأئمة الأربعة ومَن قبلَهم على منهج السَّلف، وكذلك تلاميذهم الذين أخذوا عنهم كانوا على مذهب السَّلف أيضًا: في الاعتقاد، وفي العبادة، وفي أمور الدِّين، إلى أن انتهت المائة الرابعة من الهجرة، فيحنئذٍ دخل الدخيل على المسلمين؛ حيث جاءت الصوفية، وجاءت القُبورية، وجاء عِلم الكلام والمنطق؛ فصار الناس -إلا قليلاً منهم- متأثرين بالصوفية، والقُبورية، والتَّشيُّع، وبعِلم الكلام...، إلى آخره، حتى تركوا الاستدلال بالكتاب والسُّنَّة، وذهبوا إلى الاستدلال بعِلم الكلام، والمنطق، والجَدل، ويسمون ذلك: الأدلة العقلية والبراهين العقلية، وأما أدلة الكتاب والسُّنَّة، فيسمونها: الأدلة السَّمعية الظَّنِّية، فهي عندهم تفيد الظن، أما عِلم المنطق وعِلم الكلام فإنه يفيد اليقين؛ ولذلك سموها بالبراهين العقلية، ويقدمون العقل على