×
شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

وَأَعْذَرَ إلَيْهِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ، الْخَيرَةِ مِنْ خَلْقِهِ؛ فَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ بِفَضْلِهِ.

****

  الله لم يَكِلْ هذا الإنسان إلى علمه وإلى ما أعطاه من الإدراك، بل أرسل إليه الرُّسل؛ لتُبيِّن له كيف يعبد ربَّه، وكيف يتصرَّف على وفق ما شرَّعه الله عز وجل، فالرسل نعمة من الله عز وجل، وبدون الرسل لا يستطيع الإنسان أن يعرف كيف يعبد ربَّه، ولو كان فيه محبة للخير، فالله جل وعلا أرسل إليه الرسل، وأنزل إليه الكتب؛ ليُبيِّن له كيف يعبد ربَّه، وهذا من رحمة الله عز وجل، وعنايته بهذا الإنسان، ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ [النِّسَاء: 165]، فخَيْر الخلق هم الرسل عليهم الصلاة والسلام.

الرسل بيَّنَت، والكتب الإلهية بيَّنَت، ولكن هداية التوفيق بيَدِ الله؛ فالهداية على قسمين:

الأول: هداية الدلالة والإرشاد، وهذه حاصلة لكل أحد؛ لأن الله دلَّ العباد على ما فيه الخير، وأمرهم باتباعه، ودلهم على ما فيه الشر، ونهاهم عن اتباعه.

الثاني: هداية التوفيق، وهي خاصة بالمؤمنين الذين قَبِلوا الحق، ورغبوا فيه، وعملوا به؛ ولهذا قال جل وعلا: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ [الْقَصَص: 56]، أي: لا تهديه هداية التوفيق.

وأما الهداية العامة -هداية الدلالة والإرشاد- فهي حاصلة لكل أحد؛ قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ [فُصِّلَت: 17]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ


الشرح