×
شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

وَأَضَلَّ مَنْ خَذَلَهُ بِعَدْلِهِ.

****

 سَمِيعَۢا بَصِيرًا ٢إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا ٣  [الإنسَان: 2-3]، أي: دَلَلْناه على الخير والشر، هذه هداية البيان والإرشاد، وهي حاصلة لكل أحد، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ [الشُّورَى: 52].

فالرسول يهدي -أيضًا- يعني: يُبيِّن، ويدل الخلق على الخير، وأما هداية القبول، فهذه من الله عز وجل: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ [الْقَصَص: 56]؛ فالله أثبت للرسول صلى الله عليه وسلم أنه يهدي، ثم نفى في آية أخرى أنه يهدي، والجمع بين الآيتين: أن تكون الآية الأولى في هداية الدلالة والإرشاد، وتكون الآية الثانية في هداية التوفيق والقبول، وهذه من الله.

فالذي يقبل الحق، ويرغب فيه؛ فالله يوفقه بفضله، والذي يُعرِض عن الحق ولا يقبله؛ فالله يُضِلُّه سبحانه وتعالى بعدله؛ جزاءً له، فهو يهدي مَن يشاء بفضله، ويُضِلُّ مَن يشاء بعدله، فالذي لا يقبل الحق يحرمه الله عز وجل، وهذا عدل من الله وليس ظلمًا؛ لأنه هو الذي لم يقبل الحق، ولا يريد الحق، ويتكبر على الحق، فالله جل وعلا لا يهديه هداية التوفيق؛ جزاءً وعقوبة له، وما ظلمه الله جل وعلا؛ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ [الصَّف: 5]، ﴿وَنُقَلِّبُ أَفۡ‍ِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ [الأَْنْعَام: 110].

فالإنسان إذا لم يقبل الحق؛ ابتلاه الله بالباطل، وإذا لم يقبل الهدى؛ ابتلاه الله بالضلال.


الشرح