القِيَامة شابًّا
نشأ في عبادة الله سبحانه وتعالى ([1]) وكونه خرج عن طَور
الشباب وغلَبة الشهوة، وألِف العبادة - هذا شيء عجيب، ودليل على قوة إِيمَانه، كما
أن الشَّيخ كبير السن إذا حصلت منه زلة أو هفوة فهذا مما يُستغرب منه؛ لأنه في سن
لا يليق به المخالفة والميل مع الشهوات لكبر سنه، فوقوعه في الحرام دليلٌ على ضعف
إِيمَانه، ولهذا جاء أن من الذين لا يكلمهم الله ﴿وَلَا
يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا
يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ}[آل عِمرَان: 77]: «الشَّيْخُ الزَّانِي» ([2]) أو: «أُشَيْمِطٌ
زَانٍ» ([3]) وأُشيمط: تصغير
أشمط، وهذا التصغير للتحقير، والأشمط هو المختلط سواد شعره ببياض الشيب، فكان
المألوف في مثل هذا أنه يُقبِل على العبادة، فإذا انصرف عن العبادة إلى الشهوات
خرج عن المألوف، وصار ذنبه أعظم من ذنب الشاب؛ لأن الشاب تدفعه قوة الشهوة، أما
هذا فليس فيه قوة شهوة، لكن لحبه للمعصية وإلفه لها مال إليها.
الحاصل: أن هذا الحديث فيه إثبات العجب لله جل وعلا وأنه يَعجب من بعض عباده، وتُعجبه الأَعمَال، والمخلوق يَعجب، قال تعالى لنبيه: ﴿وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبٞ قَوۡلُهُمۡ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبًا أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍۗ﴾ [الرعد: 5] وصف نبيه بأنه يَعجب، ووصف نفسه في هذا الحديث بأنه يَعجب، مع
([1]) أخرجه: البخاري رقم (660)، ومسلم رقم (1031).
الصفحة 4 / 304