×
شرح لُمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد

فصل: في الإِيمَان بالغيب

****

لما عرّف الإِيمَان وذكر الأدلة على تعريفه عند أهل السنة والجماعة - ذكر أن من الإِيمَان الإِيمَان بالغيب، وهو ما غاب عن النَّاس ولم يشاهدوه من الأمور الماضية والأمور المستقبلة التي لم يشاهدها النَّاس؛ لأنها قد مضت وانقضت؛ أو لأنها لم تحدث بعد، مما صحت به الأخبار، فهذا ليس للعقل فيه دخل أبدًا، وإنما الاعتقاد فيه على النقل، وهو الخبر الصادق عن الله ورسوله. فكل ما أخبر الله عنه من الغيوب الماضية والغيوب المستقبلة، وكل ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيوب الماضية والغيوب المستقبلة - فإنه يجب الإِيمَان به والتسليم له من غير تدخل بعقولنا وأفهامنا؛ لأن هذا شيء لا تدركه عقولنا ولا أفكارنا، وإنما مبناه على التسليم والتصديق لخبر الله ورسوله.

والإِيمَان إنما هو الإِيمَان بالغيب وأما الإِيمَان بالشَّيء المشاهد، هذا لا ميزة فيه لأحد، ولا يُسَمّى إِيمَانا، يعني الإِنسَان لا يؤمن إلاَّ بما يشاهده ويراه؟ هذا ليس إِيمَانا، ولهذا لا يُقبل الإِيمَان إذا قامت القِيَامة، أو إذا حضر الإِنسَان أجلُه وشاهد ما كان يُخبر عنه من الأمور الغائبة عنه، فإذا عاينها وأبصرها لا يُقبل إِيمَانه، وقد جاء في الحديث: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» ([1]) يعني: ما لم تبلغ روحه الغرغرة؛ لأنها إذا بلغت روحه الغرغرة انتهى الإِيمَان وانتهى العمل، ووقع الإِنسَان فيما أُخبر عنه في الماضي وشاهده عِيانًا.


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (3537)، وابن ماجه رقم (4253)، وأحمد رقم (6160).