فصل: في إثبات صفة الكلام
*****
لما تكلم عن بعض الصِّفَات - فيما سبق - أفرد صفة الكلام بفصل خاص، وذلك لأهمية هذه المسألة وكثرة ما وقع فيها من الضلال والانحراف، فهو أفردها بفصلٍ عما قبلها لأهميتها ولكثرة ما وقع فيها من الخلاف. وصفة الكلام لله عز وجل كسائر الصِّفَات، الله موصوف جل وعلا بأنه يتكلم كيف شاء سبحانه ومتى شاء، وكلامه من الصِّفَات الفعلية التي يفعلها متى شاء سبحانه وتعالى، تكلم في الماضي ويتكلم في المستقبل ويتكلم في يوم القِيَامة، متى شاء سبحانه وتعالى أن يتكلم فإنه يتكلم.وكلام الله قديم النوع - مثل سائر الصِّفَات - حادث الآحاد، يعني: صفة الكلام من حيث هي قديمة فالله ما زال يتكلم؛ لأنه سبحانه بكلامه قديم أزلي لا بداية له سبحانه وتعالى، ولا بداية لأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى، وأما آحاد الكلام فإنها تتجدد وتحدث شيئًا فشيئًا، يتكلم متى شاء سبحانه وتعالى كسائر صفاته الفعلية. وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة، سيورد المصنف - رَحمَة اللهِ - جملة منها، ولم يخالف في صفة الكلام إلاَّ الجَهْمِيَّة ومن شرب مشربهم من الفرق الضالة، الجهمية يقولون: إن الله لا يتكلم وإنما خلق الكلام في غيره، إما في جبْرِيل وإما في مُحمَّد، وإضافة الكلام إلى الله من إضافة المخلوق إلى خالقه، فالله جل وعلا لا يوصف عندهم بالكلام أبدًا، وإنما الذي يتكلم مخلوق خلق الله الكلام فيه، إما جبْرِيل وإما مُحمَّد! هذا كلامهم، وهذا أيضًا مذهب المعتزِلة،
الصفحة 1 / 304