﴿لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ
فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ﴾ [ق: 22]، هذا خطابٌ للإِنسَان أنه عند نزع روحه يشاهد ما كان
يُخبر عنه في حياته، فحينئذ لا ينفعه إِيمَان، كذلك قوله تعالي: ﴿يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ
رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ
كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ﴾ [الأنعام: 158] وهذا إذا طلعت الشمس من
مغربها حينئذٍ لا يُقبل الإِيمَان ممن آمنوا حينئذٍ، ولا تقبل التوبة ممن تاب؛ لأن
هذا أصبح حسًّا ومشاهدة، لا غائبًا، ولهذا يقول جل وعلا: ﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا
يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ
كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [يونس: 39]، ويقول جل وعلا في
أول سورة البقرة: ﴿ٱلَّذِينَ
يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ
يُنفِقُونَ ٣ وَٱلَّذِينَ
يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ
هُمۡ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 3-4]، فأول صفات المتقين
أنهم يؤمنون بالغيب، يعني بما غاب عنهم ولم يشاهدوه ولكن اعتمدوا فيه على خبر
الصادق فآمنوا به كأنهم يشاهدونه عِيانًا؛ لأنهم يصدقون بأخبار الله وأخبار رسوله
صلى الله عليه وسلم
فالأمور الغائبة والمستقبلة لا يُعتمد فيها على العقول ولا على الأفكار، وإنما يُعتمد فيها علي الأخبار الصَّحِيحة الصادرة عن الله جل وعلا عالم الغيب والشهادة، أو الصادرة عن نبيه الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلاَّ وحي يوحى. ويدخل في هذا الباب الكثير من الأخبار الماضية كأخبار الأمم، خبر آدم والملاَئكَة، وخبر الأمم السابقة: قوم نوح وعاد وثمود، وقوم إِبرَاهِيم وأصحاب مدين، وغيرهم من الأمم،