×
شرح لُمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد

وفي بعض الآثار: ((أن مُوسَى عليه السلام ليلة رأى النَّار فهالته وفزع منها ناداه ربه: ﴿يَٰمُوسَىٰٓ فأجاب سريعًا استئناسًا بالصوت فقال: لبيك لبيك أسمع صوتك ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك ووراءك وعن يمينك وعن شمالك، فعلم أن هذه صفة لا تنبغي إلاَّ لله تعالى، قال: كذلك أنت يا إلهي فكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا مُوسَى)).

*****

هذا يوضح ما سبق من تكليم الله لمُوسَى عليه الصلاة والسلام في هذه الليلة التي كان في الطريق سائرًا بأهله إلى بلده وأصابه شيء من الضياع عن الطريق وشيء من البرد، فذهب إلى النَّار التي تراءت له يريد منها الخبر عن الطريق، ويريد منها جذوة ليقتبس منها لأهله لعلهم يصطلون، فالله جل وعلا ناداه، وكلمه لما جاء إلى هذه النَّار بكلام سمعه مُوسَى عليه الصلاة والسلام، وقال: «أسمع كلامك ولا أرى مكانك»؛ لأن الله جل وعلا لا يُرى في الدُّنيَا، محتجب عن خلقه في الدُّنيَا؛ لأنهم لا يطيقون رؤيته سبحانه وتعالى لعظمته وكبريائه، فلا أحد يطيق النظر إليه في الدُّنيَا، وإنما هذا يحصل للمُؤْمنِين يوم القِيَامة إكرامًا من الله لهم.

«فقال: لبيك لبيك أسمع صوتك ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك» هذا فيه إثبات العلو «ووراءك وعن يمينك وعن شمالك» أي: أن الله جل وعلا محيط، وهو وإن كان جل وعلا في العلو فهو محيط بخلقه من أي جهة، لا يخفى عليه من أمرهم شيء، فهو في السَّمَاء ومع هذا هو محيط بخلقه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أمورهم، بل هو مطلع عليهم وشاهد عليهم سبحانه وتعالى، فالشاهد منها أن فيها إثبات الكلام لله عز وجل وفيها إثبات الفوقية لله والإحاطة، وأن فوقيته لا تتنافى مع إحاطته بخلقه سبحانه وتعالى.


الشرح