ولو
عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعًا لأطاعوه
****
وأما النوع الثاني،
وهي الإرادة الدينية الشرعية، فهذه إنما تكون للطاعات والأَعمَال الصَّالِحة، وقد
تقع وقد لا تقع، الإرادة الدينية قد تقع وقد لا تقع، فالله أراد شرعًا من الكافر
أن يسلم ولكنه لم يسلم، ما وقع ما أراد الله منه دينًا، وأراد الله الإِيمَان من
جميع النَّاس لكن المؤمن أطاع والكافر عصى، فالإرادة الكونية لا بُدَّ من وقوعها،
وأما الإرادة الدينية فقد تقع وقد لا تقع حسب مشيئة الله سبحانه وتعالى ورحمته.
قال تعالى: ﴿وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ﴾ [هود: 118] ﴿وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ﴾ [الأنعام: 137] ﴿وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا﴾ [السجدة: 13] فلو شاء الله أن يؤمن جميع العالم لآمن جميع العالم، ولكنه لحكمته سبحانه وتعالى جعل هذا راجعًا إلى اختيار النَّاس، فالمؤمن يؤمن بإرادته ومشيئته، والكافر يكفر بمشيئته وإرادته واختياره، ومن أجل أن يحصل بسبب هذا الجهاد في سبيل الله وتظهر أسماء الله وصفاته من الإنعام والانتقام والرحمة والغضب، لو كان النَّاس كلهم صالحين لن يوجد أحد من أهل النَّار، ولو صار النَّاس كلهم كفارًا لن يوجد أحد من أهل الجنة، فمن حكمته جل وعلا أنه قدر الإِيمَان والكفر، وأمر النَّاس ونهاهم اختبارًا وابتلاءً: فمن أطاع صار من أهل الجنة، ومن عصى صار من أهل النَّار لأفعاله واختياره هو لنفسه.