وهذه الشعور التي
تفرقت، وهذه اللحوم التي تمزقت، كيف تعود مرة ثانية؟ استبعدوا هذا ونَفَوْهُ
بِناءً على عقولهم، ولم يعلموا أن الذي خلقهم أول مرة قادر على أن يعيدَهم ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ
ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ﴾ [الروم: 27] ﴿مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ
إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ﴾ [لقمان: 28]، الله لا يعجزه شيء، لماذا
لم يستغربوا خلقهم أول مرة، وكانوا في الزَّمان الماضي عدمًا، ليس لهم جلودٌ ولا
عظامٌ ولا شيء ﴿وَقَدۡ
خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡٔٗا﴾ [مريم: 9] ليس لهم عظام ولا لحم ولا شيءٌ أبدًا، أوجدهم
الله من عدم؛ فالذي أوجدهم من عدم إلاَّ يقدر أن يعيد أجسامهم ورميمهم وعظامهم كما
كان؟ لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى.
فهذا هو البعث من
القبور حين ينفخ إسرافيل في الصور ﴿وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ إِلَىٰ
رَبِّهِمۡ يَنسِلُونَ﴾ [يس: 51] والنفخ في الصور ذكره الله أنه يحصل ثلاث مرّات:
المرّة الأولى: نفخة
الفزع: ﴿وَيَوۡمَ
يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا
مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ﴾ [النمل: 87].
والنفخة الثانية:
نفخة الصعق.
والنفخة الثالثة:
نفخة البعث. وهما مذكورتان في آخر سورة الزمر. كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ
فَصَعِقَ﴾ [الزمر: 68]، يعني: مات ﴿مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ
ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ} [الزمر: 68]، هذه النفخة
الثالثة ﴿فَإِذَا
هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر: 68]، هذه نفخة البعث.
الصفحة 6 / 304