قوله: «ولكن تَستدعي قَبُول المَحلّ، وقُوة هِمّة
الفَاعل وتَأثيره» فلا شكَّ أن القُرآن شِفاء؛ لأن اللهَ أخبرَ أنه شِفاء،
ولكِن الشأنَ في استعمالِنا نَحن، هل نَستعمله دَواء بإيمانٍ وصِدق ويَقين، أو
نَستعمله ونَحن غافلونَ ولا نَستحضر أنه شِفاء، وأنه لا يَنفع ولو كَان قُرآنًا؟!
فلو قرأتَ الفاتحةَ من غَير إيمانٍ ومن غَير حُضور قلبٍ ما نفعَك قِراءتها، فبَعض
الناسِ يَقول: أنا قَرَأت ولا وَجَدْت شيئًا، أو رَقيتُ نَفسي أو رَقاني فلانٌ ولا
رأيتُ شفاءً، وهو يظنّ أن القُرآن لا يَشفي، فنقولُ له: البَلاء مِن عِندك أنتَ،
أما القُرآن فهو شِفاء بلا شَكٍّ، لكنك لم تَستعملْه على الوجهِ المَطلوب.
ولابُدَّ مِن قَبُول المَحلّ
وهو المَرَض؛ لأن كُل مرضٍ له عِلاج، وكُل مرضٍ له رُقْيَة، هَذا من ناحيةِ
المَحَلّ، أما مِن نَاحِية الشخصِ فلابُدَّ أن يكونَ مُؤمنًا بأن هذا القُرآنَ فيه
الشفاءِ، ولهذا يقولُ اللهُ تبارك وتعالى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ
مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} [الإسراء: 82] .
قوله: «فَمَتَى تَخَلَّفَ الشِّفَاءُ كَانَ
لِضَعْفِ تَأْثِيرِ الْفَاعِلِ»، وهو الراقِي، لا لضعفِ القُرآن، «كما يكونُ ذلك في الأدواءِ الحِسِّيَّة»
أي: أن الأسبابَ لا تنفعُ إلا إذا انتفتْ موانعُها، فقد يكونُ هناكَ مَانعٌ مِن
تأثيرِ السَّبَب، فإذا كانَ هُناك مانعٌ فالسببُ لا يَنفع.
وقوله: «لِعَدَمِ قَبُولِ الطَّبِيعَةِ لِذَلِكَ الدَّوَاءِ»، وذلك في الأدواءِ الحِسية التي يُسمّونها العُضوية، فقد يأخُذ المَريض دواءً ولا يَنفعه، لأنه ليس دواءً مناسبًا لمَرضه، أو أنه أساءَ استعمالَه، فلم يَستعمله على وصفِ الطبيبِ، فيكونُ الخَلَل مِن عِنده وليس في الدواءِ.