وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَقْوَى الأَْسْبَابِ فِي
دَفْعِ الْمَكْرُوهِ، وَحُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَلَكِنْ قَدْ يَتَخَلَّفُ أَثَرُهُ
عَنْهُ، إِمَّا لِضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ دُعَاءً لاَ يُحِبُّهُ
اللَّهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُدْوَانِ، وَإِمَّا لِضَعْفِ الْقَلْبِ وَعَدَمِ
إِقْبَالِهِ عَلَى اللَّهِ وَجَمْعِيَّتِهِ عَلَيْهِ وَقْتَ الدُّعَاءِ، فَيَكُونُ
بِمَنْزِلَةِ الْقَوْسِ الرِّخْوِ جِدًّا، فَإِنَّ السَّهْمَ يَخْرُجُ مِنْهُ
خُرُوجًا ضَعِيفًا، وَإِمَّا لِحُصُولِ الْمَانِعِ مِنَ الإِْجَابَةِ: مِنْ أَكْلِ
الْحَرَامِ، وَالظُّلْمِ، وَرَيْنِ الذُّنُوبِ عَلَى الْقُلُوبِ، وَاسْتِيلاَءِ
الْغَفْلَةِ وَالشَّهْوَةِ وَاللَّهْوِ، وَغَلَبَتِهَا عَلَيْهَا.
كَمَا فِي مُسْتَدْرَكِ
الْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :
«ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِْجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ» ([1]).
فَهَذَا دَوَاءٌ نَافِعٌ
مُزِيلٌ لِلدَّاءِ، وَلَكِنَّ غَفْلَةَ الْقَلْبِ عَنِ اللَّهِ تُبْطِلُ
قُوَّتَهُ.
وَكَذَلِكَ أَكْلُ
الْحَرَامِ يُبْطِلُ قُوَّتَهُ وَيُضْعِفُهَا، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «يَا
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ، لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ
اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ،
فَقَالَ: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ
كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ
عَلِيمٞ} [الْمُؤْمِنُونَ:
51] وَقَالَ: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ} [الْبَقَرَةِ: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ
السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا
رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ،
وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» ([2]).
****
الشرح
كذلك الدعاءُ من أسبابِ عِلاج الذنوبِ وكَشف الكُربات، فهو بابٌ