×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

 وَتَكَايَسَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: الاِشْتِغَالُ بِالدُّعَاءِ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ يُثِيبُ اللَّهُ عَلَيْهِ الدَّاعِيَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْمَطْلُوبِ بِوَجْهٍ مَا. وَلاَ فَرْقَ عِنْدَ هَذَا الْمُتَكَيِّسِ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالإِْمْسَاكِ عَنْهُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ فِي التَّأْثِيرِ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَارْتِبَاطُ الدُّعَاءِ عِنْدَهُمْ بِهِ كَارْتِبَاطِ السُّكُوتِ وَلاَ فَرْقَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَكْيَسُ مِنْ هَؤُلاَءِ: بَلِ الدُّعَاءُ عَلاَمَةٌ مُجَرَّدَةٌ نَصَبَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَارَةً عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَمَتَى وُفِّقَ الْعَبْدُ لِلدُّعَاءِ كَانَ ذَلِكَ عَلاَمَةً لَهُ وَأَمَارَةً عَلَى أَنَّ حَاجَتَهُ قَدِ قضيتْ، وَهَذَا كَمَا إِذَا رَأَيْنا غَيْمًا أَسْوَدَ بَارِدًا فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ وَعَلاَمَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْطِرُ.

قَالُوا: وَهَكَذَا حُكْمُ الطَّاعَاتِ مَعَ الثَّوَابِ، وَالْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي مَعَ الْعِقَابِ، هِيَ أَمَارَاتٌ مَحْضَةٌ لِوُقُوعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لاَ أَنَّهَا أَسْبَابٌ لَهُ.

وَهَكَذَا عِنْدَهُمُ الْكَسْرُ مَعَ الاِنْكِسَارِ، وَالْحَرْقُ مَعَ الإِْحْرَاقِ، وَالإِْزْهَاقُ مَعَ الْقَتْلِ، لَيْسَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سَبَبًا الْبَتَّةَ، وَلاَ ارْتِبَاطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، إِلاَّ مُجَرَّدُ الاِقْتِرَانِ الْعَادِيِّ، لاَ التَّأْثِيرُ السَّبَبِيُّ.

وَخَالَفُوا بِذَلِكَ الْحِسَّ، وَالْعَقْلَ، وَالشَّرْعَ، وَالْفِطْرَةَ، وَسَائِرَ طَوَائِفِ الْعُقَلاَءِ، بَلْ أَضْحَكُوا عَلَيْهِمُ الْعُقَلاَءَ.

وَالصَّوَابِ: أَنَّ هَاهُنَا قِسْمًا ثَالِثًا غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْمَقْدُورَ قُدِّرَ بِأَسْبَابٍ، وَمِنْ أَسْبَابِهِ الدُّعَاءُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ مُجَرَّدًا عَنْ سَبَبِهِ، وَلَكِنْ قُدِّرَ بِسَبَبِهِ، فَمَتَى أَتَى الْعَبْدُ بِالسَّبَبِ وَقَعَ الْمَقْدُورُ، وَمَتَى لَمْ يَأْتِ بِالسَّبَبِ انْتَفَى الْمَقْدُورُ. وَهَذَا كَمَا قُدِّرَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ بِالأَْكْلِ وَالشُّرْبِ، وَقُدِّرَ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ، وَقُدِّرَ حُصُولُ الزَّرْعِ بِالْبَذْرِ، وَقُدِّرَ خُرُوجُ نَفْسِ الْحَيَوَانِ بِذَبْحِهِ، وَكَذَلِكَ قُدِّرَ دُخُول الْجَنَّةِ بِالأَْعْمَالِ، وَدُخُولُ النَّارِ بِالأَْعْمَالِ.


الشرح