وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ
الْحَقُّ، وَهَذَا الَّذِي حُرِمَهُ السَّائِلُ وَلَمْ يُوَفَّقْ لَهُ.
وَحِينَئِذٍ فَالدُّعَاءُ
مِنْ أَقْوَى الأَْسْبَابِ، فَإِذَا قُدِّرَ وُقُوعُ الْمَدْعُوِّ بِهِ
بِالدُّعَاءِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: لاَ فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ، كَمَا لاَ
يُقَالُ: لاَ فَائِدَةَ فِي الأَْكْلِ وَالشُّرْبِ وَجَمِيعِ الْحَرَكَاتِ
وَالأَْعْمَالِ! وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الأَْسْبَابِ أَنْفَعَ مِنَ الدُّعَاءِ،
وَلاَ أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ.
****
الشرح
قوله: «وَتَكَايَسَ» يعني: أظهرَ الحذقَ «وَقَالَ: الاِشْتِغَالُ بِالدُّعَاءِ مِنْ
بَابِ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ»، أي: ليسَ بسَببه حصلَ المَقصود، لكِنه عِبادة
فَقط يُثاب الداعِي على فِعله.
فنَقول: صَحيح هو عِبادة،
بَل هو مِن أَعظم أنواعِ العِبادة، ولكِنه سَبب أيضًا لحُصول المَطلوب، فهو عِبادة
وهو سَبب لحُصول المَطلوب، فهو أخذَ جانبًا وتركَ الجَانب الآخرَ.
وقَوله: «وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَكْيَسُ مِنْ هَؤُلاَءِ: بَلِ الدُّعَاءُ عَلاَمَةٌ مُجَرَّدَةٌ نَصَبَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَارَةً عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ»، أي: ليسَ للدعَاء فائدةٌ في حُصول المَطلوب، بل المَطلوب يَحصل بالقَضاء والقَدر. وهؤلاء أَقرب مِن الأوَّلين، لكِنهم لا يَزال عِندهم شَيء مِن البَاطل، فليسَ الدعَاء عَلامة على حُصول المَقصود، وإنمَا هو سَبب، والله عز وجل أمرَ به فقالَ: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ} [غافر: 60] ، وقالَ تبارك وتعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ} [البقرة: 186] ، ربطَ الإجابةَ بالدعاءِ، فدَلَّ على أن الدعَاء سَبب وليسَ عَلامة فَقط.