×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

 وقَولهم: «وهَذا كمَا إذا رأيتَ غَيْمًا أسودَ باردًا في زمنِ الشِّتاء، فإن ذلكَ دليلٌ وعلامةٌ على أنه يُمطِر»، يَعني: كما أن رُؤية الغُيوم في زَمن الشِّتاء عَلامة نُزول المَطر، فكذلك الدعَاء.

فنَقول: هذا تمثيلٌ غَير صحيحٍ، فالسحَاب وإن كَان أسودَ وإن كانَ باردًا قد لا يَحصُل فيه مَطر.

وقَولهم عن المَعاصي والطاعَات: «هِيَ أَمَارَاتٌ مَحْضَةٌ لِوُقُوعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لاَ أَنَّهَا أَسْبَابٌ لَهُ» هذا غلطٌ، بل هِي أسبابٌ له، فالطاعَات أسبابٌ للثوابِ، والمَعاصي أسبابٌ للعقابِ، وليستْ مُجرَّد عَلامات، وبقَولهم هَذا «خَالفوا بذلك الحِسَّ والعقلَ»، حَتى إنهم يطردونَ هذا في المَحسوسات، فيَقولون: الكَسر عَلامة على الانكسَار، والمَرض علامةٌ على الأَلَم وليس سببًا له، وكُل هذا مُغالطة ومُغالاة في إثباتِ القَضاء والقَدر، ونَفي الأسبابِ.

والصَّواب: أنه لا مُنافاة بينَ اتِّخاذ الأسبابِ وبينَ القضاءِ والقَدَر.

قوله: «وللصوابِ أن هَاهنا قسمًا ثالثًا غَير ما ذكرَه السائلُ»، وهو الأشيَاء التِي قُدِّرت على حُصول أسبابٍ، فإن حصلتِ الأسبابُ حصلَ المُقدَّر، وإن لم تَحصُل الأسبابُ لم يَحصُل المُقدَّر، فهو قضاءٌ وقدرٌ مَبنيٌّ على خصوصِ أسبابٍ وانتفاءِ موانعَ، مِثل: الوَطْء في الزواجِ سَبب لحُصول الوَلَد، فاللهُ قدَّر لك الذريةَ بسببِ الزواجِ والوَطْء، ولو لم يَطَأ الزوجُ ولم يَتزوَّج لم يَحصل له أولادٌ، وكذلك قُدِّر دخولُ الجنةِ أو دخولُ النارِ بما يَعمله العَبد، فإذا حصلتِ الأسبابُ حصلَ المَقدور، وإذا لم تَحصُل لم يَحصُل المَقدُور.


الشرح