وَلَمَّا كَانَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم
أَعْلَمَ الأُْمَّةِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَفْقَهَهُمْ فِي دِينِهِ، كَانُوا
أَقْوَمَ بِهَذَا السَّبَبِ وَشُرُوطِهِ وَآدَابِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه
يَسْتَنْصِرُ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَكَانَ أَعْظَمَ جُنْدَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ
لأَِصْحَابِهِ: «لَسْتُمْ تُنْصَرُونَ بِكَثْرَةٍ، وَإِنَّمَا تُنْصَرُونَ مِنَ
السَّمَاءِ» ([1]).
وَكَانَ يَقُولُ: «إِنِّي
لاَ أَحْمِلُ هَمَّ الإِْجَابَةِ، وَلَكِنْ هَمَّ الدُّعَاءِ، فَإِذَا
أُلْهِمْتُمُ الدُّعَاءَ، فَإِنَّ الإِْجَابَةَ مَعَهُ» ([2]).
وَأَخَذَ الشَّاعِرُ هَذَا
الْمَعْنَى فَنَظَمَهُ فَقَالَ:
لَوْ لَمْ تُرِدْ نَيْلَ مَا
أَرْجُو وَأَطْلُبُهُ... مِنْ جُودِ كَفَّكَ مَا عَودتَنِي الطَّلَبَا
فَمَنْ أُلْهِمَ الدُّعَاءَ
فَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الإِْجَابَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: { ٱدۡعُونِيٓ
أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ} [غَافِرٍ:60] وَقَالَ: {وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا
دَعَانِۖ} [البقرة: 186] .
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
«مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» ([3]).
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
رِضَاءَهُ فِي سُؤَالِهِ وَطَاعَتِهِ، وَإِذَا رَضِيَ الرَّبُّ تبارك وتعالى
فَكُلُّ خَيْرٍ فِي رِضَاهُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ بَلاَءٍ وَمُصِيبَةٍ فِي غَضَبِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الإِْمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ أَثَرًا: «أَنَا اللَّهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا، إِذَا رَضِيتُ بَارَكْتُ، وَلَيْسَ لِبَرَكَتِي مُنْتَهًى وَإِذَا غَضِبْتُ لَعَنْتُ، وَلَعْنَتِي تَبْلُغُ السَّابِعَ مِنَ الْوَلَدِ» ([4]).
([1])لم أقف عليه.