وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ
وَالنَّقْلُ وَالْفِطْرَةُ وَتَجَارِبُ الأُْمَمِ - عَلَى اخْتِلاَفِ أَجْنَاسِهَا
وَمِلَلِهَا وَنِحَلِهَا - عَلَى أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ،
وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ، وَالْبِرِّ وَالإِْحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ أَعْظَمِ
الأَْسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَضْدَادَهَا مِنْ أَكْبَرِ
الأَْسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ شَرٍّ، فَمَا اسْتُجْلِبَتْ نِعَمُ اللَّهِ
وَاسْتُدْفِعَتْ نِقْمَتُهُ بِمِثْلِ طَاعَتِهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ،
وَالإِْحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ.
****
الشرح
كان الصحابةُ رضي الله عنهم
يُكثِرون من الدعَاء، وهم أعلمُ الأمَّة بعدَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ، فلو
كانَ الدعَاء لا فائدةَ له يكُون الصحَابة قد اجتمعُوا على الخَطأ، وهذا مُحالٌ.
ومِمَّا يَدُل على فضلِ
الدعَاء وأنه سببٌ يُرجَى من بَعده الإجابةُ: قَول عُمر رضي الله عنه : «إني لا أحملُ همَّ الإجابةِ»؛ لأن الإجابةَ
تكفَّل اللهُ بها «وَلكِن هَمَّ الدعاءِ»؛
لأنه أمرَ بالدعاءِ، فهو يَحملُ هَمَّ ما أُمِرَ به، وأما الإجابةُ فهي عِند
اللهِ، تكفَّل اللهُ بها: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ
أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ} [غَافِرٍ: 60] ، { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ} [البقرة: 186] ، ما
قالَ: أُجيبه بدونِ دعاءٍ، وإنما رتَّب الإجابةَ على حُصول الدعاءِ، فدَلَّ على أن
الدعاءَ سببٌ للإجابةِ، وبدونِ دعاءٍ لا تَحصل إجابةٌ.
ويدُلّ لأهميةِ الدعاءِ
أيضًا، وأن له فائدةً: قَوله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ»، فلو كانَ كما يَقولون:
الدعَاء لا فائدةَ له. ما غضبَ اللهُ على مَن لا يسألُ.
فالذِي لا يَدعو يَغضب اللهُ عليه، والذِي يَدعو يُحِبّه الله عز وجل ، فدَلَّ على أن الدعاءَ مطلوبٌ، وأنه سببٌ لرِضا اللهِ تبارك وتعالى ، وإذا رضيَ اللهُ عن العبدِ أعطاهُ كُل ما يُريد وفوقَ ما يُريد.