وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، أَعْظَمُ وَأَجَلُّ
مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهِيَ إِنَّمَا تُكَفِّرُ
مَا بَيْنَهُمَا إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ.
فَرَمَضَانُ إِلَى
رَمَضَانَ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، لاَ يَقْوَيَا عَلَى تَكْفِيرِ
الصَّغَائِرِ، إِلاَّ مَعَ انْضِمَامِ تَرْكِ الْكَبَائِرِ إِلَيْهَا، فَيَقْوَى
مَجْمُوعُ الأَْمْرَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ. فَكَيْفَ يُكَفِّرُ صَوْمُ
يَوْمِ تَطَوُّعٍ كُلَّ كَبِيرَةٍ عَمِلَهَا الْعَبْدُ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا،
غَيْرُ تَائِبٍ مِنْهَا؟ هَذَا مُحَالٌ، عَلَى أَنَّهُ لاَ يَمْتَنِعُ أَنْ
يَكُونَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ مُكَفِّرًا لِجَمِيعِ
ذُنُوبِ الْعَامِ عَلَى عُمُومِهِ، وَيَكُونُ مِنْ نُصُوصِ الْوَعْدِ الَّتِي
لَهَا شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ، وَيَكُونُ إِصْرَارُهُ عَلَى الْكَبَائِرِ مَانِعًا
مِنَ التَّكْفِيرِ.
فَإِذَا لَمْ يُصِرَّ عَلَى
الْكَبَائِرِ لِتَسَاعُدِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الإِْصْرَارِ، وَتَعَاوُنِهِمَا
عَلَى عُمُومِ التَّكْفِيرِ، كَمَا كَانَ رَمَضَانُ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مَعَ
اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ مُتَسَاعِدَيْنِ مُتَعَاوِنَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ
الصَّغَائِرِ، مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ قَالَ: {إِن تَجۡتَنِبُواْ
كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ } [النِّسَاءِ: 31]
.
فَعُلِمَ أَنَّ جَعْلَ
الشَّيْءِ سَبَبًا لِلتَّكْفِيرِ لاَ يَمْنَعُ أَنْ يَتَسَاعَدَ هُوَ وَسَبَبٌ
آخَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ، وَيَكُونُ التَّكْفِيرُ مَعَ اجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ
أَقْوَى وَأَتَمَّ مِنْهُ مَعَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا، وَكُلَّمَا قَوِيَتْ
أَسْبَابُ التَّكْفِيرِ كَانَ أَقْوَى وَأَتَمَّ وَأَشْمَلَ.
****
الشرح
قوله: { مَا
غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ } [الاِنْفِطَارِ: 6] ، يَعني: لم تَعمل الأسبابَ التِي
تَحصل بها علَى كَرمِ اللهِ تبارك وتعالى ، وهَذا غرورٌ.
وقوله: {لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى} [اللَّيْلِ: 15] ، لا يَعني أنَّ الأشقَى لا يَدخل النارَ، ولو عملَ ما عملَ مِن الذنوبِ والمَعاصي، هذَا غرورٌ واستدلالٌ في غَير مَحلِّه، فإنَّ النارَ دَركاتٌ، منها شيءٌ لا يَدخله إلاَّ الكُفار،