وَبِالْجُمْلَةِ فَحُسْنُ الظَّنِّ إِنَّمَا
يَكُونُ مَعَ انْعِقَادِ أَسْبَابِ النَّجَاةِ، وَأَمَّا مَعَ انْعِقَادِ
أَسْبَابِ الْهَلاَكِ فَلاَ يَتَأَتَّى إِحْسَانُ الظَّنِّ.
فَإِنْ قِيلَ: بَلْ
يَتَأَتَّى ذَلِكَ، وَيَكُونُ مُسْتَنَدُ حُسْنِ الظَّنِّ سَعَةَ مَغْفِرَةِ
اللَّهِ، وَرَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ وَجُودِهِ، وَأَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ
غَضَبَهُ، وَأَنَّهُ لاَ تَنْفَعُهُ الْعُقُوبَةُ، وَلاَ يَضُرُّهُ الْعَفْوُ.
قِيلَ: الأَْمْرُ هَكَذَا،
وَاللَّهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَأَجَلُّ وَأَكْرَمُ وَأَجْوَدُ وَأَرْحَمُ. وَلَكِنْ
إِنَّمَا يَضَعُ ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ اللاَّئِقِ بِهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ
مَوْصُوفٌ بِالْحِكْمَةِ، وَالْعِزَّةِ، وَالاِنْتِقَامِ، وَشِدَّةِ الْبَطْشِ،
وَعُقُوبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ.
فَلَوْ كَانَ مُعَوَّلُ
حُسْنِ الظَّنِّ عَلَى مُجَرَّدِ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ لاَشْتَرَكَ فِي ذَلِكَ
الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَوَلِيُّهُ وَعَدُّوهُ،
فَمَا يَنْفَعُ الْمُجْرِمَ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ وَقَدْ بَاءَ بِسُخْطِهِ
وَغَضَبِهِ، وَتَعَرَّضَ لِلَعْنَتِهِ، وَوَقَعَ فِي مَحَارِمِهِ، وَانْتَهَكَ
حُرُمَاتِهِ؟ بَلْ حُسْنُ الظَّنِّ يَنْفَعُ مَنْ تَابَ وَنَدِمَ وَأَقْلَعَ،
وَبَدَّلَ السَّيِّئَةَ بِالْحَسَنَةِ، وَاسْتَقْبَلَ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ
بِالْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ، ثُمَّ أَحْسَنَ الظَّنَّ، فَهَذَا هُوَ حُسْنُ ظَنٍّ،
وَالأَْوَّلُ غُرُورٌ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
****
الشرح
قوله: «وَأَمَّا مَعَ انْعِقَادِ أَسْبَابِ
الْهَلاَكِ فَلاَ يَتَأَتَّى إِحْسَانُ الظَّنِّ»؛ لقولِ اللهِ تبارك وتعالى :
{ وَإِنِّي
لَغَفَّارٞ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ} [طه: 82] ، اللهُ
سبحانه وتعالى غَفَّار لمن تابَ، أما من يُصِرّ على الذنوبِ والمَعاصي - ويقولُ:
اللهُ غفورٌ رحيمٌ - ، فهذا في الحقيقةِ مُغالِط، ولو أنه جَلَسَ في بَيته ولم
يَطلُب الرزقَ، ولم يَأكُل، ولم يَشربْ، وقالَ: أنا أُحسِن الظنَّ باللهِ أنه
سيَأتيني بكُل حَاجاتي وأنا جَالِس؟! فلا بُدَّ مِن فعلِ السببِ، إذا أحسنتَ
الظنَّ باللهِ فاعمَل الأسبابَ.