وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ النَّاسِ قَدْ تَعَلَّقَ
بِنُصُوصٍ مِنَ الرَّجَاءِ، وَاتَّكَلَ عَلَيْهَا، وَتَعَلَّقَ بِهَا بِكِلْتَا
يَدَيْهِ، وَإِذَا عُوتِبَ عَلَى الْخَطَايَا وَالاِنْهِمَاكِ فِيهَا، سَرَدَ لَكَ
مَا يَحْفَظُهُ مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ، وَنُصُوصِ
الرَّجَاءِ.
وَلِلْجُهَّالِ مِنْ هَذَا
الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ غَرَائِبُ وَعَجَائِبُ كَقَوْلِ
بَعْضِهِمْ:
وَكَثِّرْ مَا اسْتَطَعْتَ
مِنَ الْخَطَايَا |
|
إِذَا كَانَ الْقُدُومُ
عَلَى كَرِيمٍ |
وَقَوْلِ الآْخَرِ:
التَّنَزُّهُ مِنَ الذُّنُوبِ جَهْلٌ بِسَعَةِ عَفْوِ اللَّهِ.
وَقَالَ الآْخَرُ: تَرْكُ
الذُّنُوبِ جَرَاءَةٌ عَلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَاسْتِصْغَارٌ لها.
وَقَالَ أبو مُحَمَّدُ بْنُ
حَزْمٍ: رَأَيْتُ بَعْضَ هَؤُلاَءِ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي
أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعِصْمَةِ ([1]).
****
الشرح
ذكرَ المُصنف رحمه الله
أصنافًا مِن هَؤلاء المُغالطين الذِين يُعطلون الأسبابَ، فمِنهم مَن يتعلَّق
بنُصوص الرجاءِ ولا يَفقه مَعناها، وهذه هِي المُشكلة، فليسَ المَقصود حِفظ
النصُوص ومَعرفة النصُوص، وإنما المَقصود التفقُّه في مَعانيها.
فتَجد أحدَهم يَحفظ النصُوص ويَسردُها، ويَظن أن هذا يَكفي في مَغفرة الذنوبِ والمَعاصي، بدونِ أن يحاسبَ نفسَه ويتوبَ إلى اللهِ بتركِ الذنوبِ والمَعاصي، وهَذا عدمُ الفقهِ.
([1])ينظر: طوق الحمامة لابن حزم (ص: 280).