وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْتَرُّ بِأَنَّ اللَّهَ عز
وجل غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَعَذَابُهُ لاَ يَزِيدُ فِي مُلْكِهِ شَيْئًا،
وَرَحْمَتُهُ لَهُ لاَ تَنْقُصُ مِنْ مُلْكِهِ شَيْئًا، فَيَقُولُ: أَنَا
مُضْطَرٌّ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَهُوَ أَغْنَى الأَْغْنِيَاءِ، وَلَوْ أَنَّ
فَقِيرًا مِسْكِينًا مُضْطَرًّا إِلَى شَرْبَةِ مَاءٍ عِنْدَ مَنْ فِي دَارِهِ
شَطٌّ يَجْرِي، لَمَا مَنَعَهُ مِنْهَا، فَاللَّهُ أَكْرَمُ وَأَوْسَعُ،
فَالْمَغْفِرَةُ لاَ تَنْقُصُهُ شَيْئًا، وَالْعُقُوبَةُ لاَ تَزِيدُ فِي مُلْكِهِ
شَيْئًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْتَرُّ
بِفَهْمٍ فَاسِدٍ فَهِمَهُ هُوَ وَأَضْرَابُهُ مِنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ
وَالسُّنَّةِ، فَاتَّكَلُوا عَلَيْهِ، كَاتِّكَالِ بَعْضِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ
تَعَالَى: { وَلَسَوۡفَ
يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ} [الضُّحَى: 5] ، قَالوا:
وَهُوَ لاَ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ فِي النَّارِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ.
وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ
الْجَهْلِ وَأَبْيَنِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَرْضَى بِمَا يَرْضَى بِهِ
رَبُّهُ عز وجل ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُرْضِيهِ تَعْذِيبُ الظَّلَمَةِ وَالْفَسَقَةِ
وَالْخَوَنَةِ وَالْمُصِرِّينَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَحَاشَا رَسُولَهُ أَنْ
يَرْضَى بِمَا لاَ يَرْضَى بِهِ رَبُّهُ تبارك وتعالى .
وَكَاتِّكَالِ بَعْضِهِمْ
عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ
جَمِيعًاۚ} [الزُّمَرِ: 53] ،
وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَقْبَحِ الْجَهْلِ، فَإِنَّ الشِّرْكَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ
الآْيَةِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ الذُّنُوبِ وَأَسَاسُهَا، وَلاَ خِلاَفَ أَنَّ هَذِهِ
الآْيَةَ فِي حَقِّ التَّائِبِينَ، فَإِنَّهُ يَغْفِرُ ذَنْبَ كُلِّ تَائِبٍ، مِنْ
أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ. وَلَوْ كَانَتِ الآْيَةُ فِي حَقِّ غَيْرِ التَّائِبِينَ
لَبَطَلَتْ نُصُوصُ الْوَعِيدِ كُلُّهَا، وَأَحَادِيثُ إِخْرَاجِ قَوْمٍ مِنَ
الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ.
وَهَذَا إِنَّمَا أَتَى صَاحِبَهُ مِنْ قِلَّةِ عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هَاهُنَا عَمَّمَ وَأَطْلَقَ، فَعُلِمَ أَنَّهُأَرَادَ التَّائِبِينَ، وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ خَصَّصَ وَقَيَّدَ فَقَالَ: { إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ} [النِّسَاءِ: 48] ،