×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

 وَإِذَا تَأَمَّلَ الإِْنْسَانُ حَالَهُ مِنْ مَبْدَأِ كَوْنِهِ نُطْفَةً إِلَى حِينِ كَمَالِهِ وَاسْتِوَائِهِ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مَنْ عُنِيَ بِهِ هَذِهِ الْعِنَايَةَ، وَنَقَلَهُ إِلَى هَذِهِ الأَْحْوَالِ، وَصَرَّفَهُ فِي هَذِهِ الأَْطْوَارِ، لاَ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يُهْمِلَهُ وَيَتْرُكَهُ سُدًى، لاَ يَأْمُرُهُ وَلاَ يَنْهَاهُ، وَلاَ يُعَرِّفُهُ بِحُقُوقِهِ عَلَيْهِ، وَلاَ يُثِيبُهُ وَلاَ يُعَاقِبُهُ.

وَلَوْ تَأَمَّلَ الْعَبْدُ حَقَّ التَّأَمُّلِ لَكَانَ كُلُّ مَا يُبْصِرُهُ وَمَا لاَ يُبْصِرُهُ دَلِيلاً لَهُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلاَمُهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الاِسْتِدْلاَلِ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ «أَيمَانِ الْقُرْآنِ» ([1]) عِنْدَ قَوْلِهِ: {فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ ٣٨وَمَا لَا تُبۡصِرُونَ ٣٩إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ٤٠} [الْحَاقَّةِ: 38- 40] ، وَذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} [الذَّارِيَاتِ: 21] ، وَأَنَّ الإِْنْسَانَ دَلِيلُ نَفْسِهِ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ، وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ كَمَالِهِ.

فَقَدْ بَانَ أَنَّ الْمُضَيِّعَ مَغْرُورٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: تَقْدِيرِ تَصْدِيقِهِ وَيَقِينِهِ، وَتَقْدِيرِ تَكْذِيبِهِ وَشَكِّهِ.

****

الشرح

إذا تأمَّل الإنسانُ عنايةَ اللهِ بهذا الآدمِيّ من حِين كانَ نُطفة في بَطن أمِّه إلى أن يَخرُج إلى الدنيَا، وسخَّر له من يَعتني به وهو صغيرٌ، ثم لما كَبُرَ وأدركَ أمرَه اللهُ جل وعلا ونَهاه، وبيَّن له الخيرَ والشرَّ، كل ذلك مِمّا يَدُلّ على أن اللهَ تبارك وتعالى لطيفٌ بعِباده، لم يَخلقْهم عبثًا ولم يَتركهم سُدًى: {أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ} [المؤمنون: 115] ، {أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى ٣٦ أَلَمۡ يَكُ نُطۡفَةٗ مِّن مَّنِيّٖ يُمۡنَىٰ ٣٧ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ٣٨فَجَعَلَ مِنۡهُ ٱلزَّوۡجَيۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ ٣٩}.

ثم قال: { أَلَيۡسَ ذَٰلِكَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰ} [القيامة: 36- 40] .


الشرح

([1])ينظر: التبيان في أقسام القرآن (ص: 175).