فالذِي قَدرَ على بدايةِ
الإنسانِ، وتَكوينه، وإنشائِه، ورزقِه، ودرجِه في الحَياة، قَادر من بابِ أَوْلى
على أن يُعِيده، ويبعثَه، ويُجازِيه على أعمالِه في هَذه الدنيَا.
ما خلقَ اللهُ هذا الخَلْق
لأجلِ أن يَفنى ويَزول، بل خَلقه لحكمةٍ، وخلقَه لغايةٍ ونتيجةٍ لا بُدَّ منها،
ونَتيجة الدنيَا هي: الآخرةُ، كل ما يُعمَل في الدنيَا مِن خيرٍ أو شرٍّ فجَزاؤُه
في الآخرةِ، لا يُترَك الناسُ بدونِ جزاءٍ، فيُجازَى المُحسِنُ على إحسانِه،
ويُجازَى المُسِيءُ على إساءتِه {أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ
ٱلسَّئَِّاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ
سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} [الجاثية: 21] .
قوله: «وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الاِسْتِدْلاَلِ
بِذَلِكَ فِي كِتَابِ «أَيمَانِ الْقُرْآنِ»»، لابن القَيِّم رحمه الله كتابٌ
اسمه «أقسامُ القرآنِ» أو «أَيمَانُ الْقُرْآنِ»، ذكرَ فيه الآياتِ
التي أقسمَ اللهُ بها، وفسَّرها وبيَّنها، وهو كِتاب نفيسٌ.
وقوله: «فَقَدْ بَانَ أَنَّ الْمُضَيِّعَ مَغْرُورٌ»، فإن كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ وتركَ العملَ وآثرَ الحياةَ الدنيَا، فهذا دليلٌ على عدمِ عَقله، وخَلَلِ فِكره؛ إذ كيفَ يُؤمِن بشيءٍ ويَتركُه؟! وإن كانَ لا يُؤمِن فالخسارةُ أشدُّ وأَنْكَى.