وهذه كُلّها نَماذج من خَوف
الصحابةِ رضي الله عنهم ، لم يُعجبوا بأنفسِهم وأعمالِهم، وإنما مع رجاءِ أعمالِهم
الجَليلة يَخافون مِن اللهِ عز وجل .
فلا يَأمن الإنسانُ ولو
كانتْ أعمالُه جليلةً، فكيف بالمُقصِّر الذِي أعمالُه قليلةٌ، أو ليسَ عِنده
أعمالٌ، ولا يخافُ من اللهِ عز وجل ؟!
وقد بَوَّبَ البُخارِي رحمه
الله في صحيحِه في مَسألة خوفِ المُؤمِن، فقالَ: «بَابُ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يُحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ»،
يعني: يبطلُ عَمله وهو لا يدرِي، وهذا خطرٌ عَظيم؛ لأنه إذا كانَ يدرِي يتجنَّب
المُحبِطات، لكن المشكلَة إذا صارَ لا يدرِي.
وهذا مِمّا يُؤكِّد على
المُؤمن أن يتعلَّم وأن يتفقَّه في دينِ اللهِ عز وجل ، ومُحبِطات العملِ كَثيرةٌ؛
أَخْطَرُها وأَعْظَمُها: الشِّرك الأصغَر، فالشِّرك الأكبَر يَعرفه الناسُ
ويتجنَّبه مَن هداهُ اللهُ، لكن الشركَ الأصغرَ الخَفِيّ هو أخوفُ ما يُخَاف على
المُؤمنِ منه.
ولهذا خافَه النبيُّ صلى
الله عليه وسلم على أصحابِه، وقالَ: «أَلاَ
أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ
الدَّجَّالِ؟»، قالوا: بَلَى، فقال: «الشِّرْكُ
الخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ، لِمَا يَرَى
مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ» ([1]). يعني: أنه
يُرائِي بأعمالِه، ويُحِبّ أن يمدحَه الناسُ على أعمالِه، وأن يُثْنُوا عليه، وعلى
صَدقته وعلى تَبَرُّعاته. فهذا ليسَ له أجرٌ عِند اللهِ ويُحبِط عملَه؛ لأنه ما
عملَ لوجهِ اللهِ وإنما عملَ للرياءِ.
وهذا قَلَّ من يَسلمُ منه، الشركُ الأكبرُ يَسلمُ منه المُؤمن، لكن الشركَ الأصغرَ قلَّ مَن يَسلمُ منه؛ لأنه خَفِيّ، ومِن مُحبِطات العملِ؛
([1])أخرجه: ابن ماجه رقم (4204).