×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

لأن العدوَّ إنما يَهاب المُسلمين إذا اجتمعُوا تحتَ قيادةٍ مِنهم، ولا يستطيعُ أن يتسلَّط عليهم، أما إذا غدرُوا بالبَيْعَة، وغَدروا بالسُّلطان، وصَاروا يَحتقرُون السُّلطان، ويَزدرُونه، ويتكلَّمون في حَقّه، تتفرَّق الكَلمة، ويحصُل التَّباغُض، وحينئذٍ يتسلَّط العَدُو، وتَسنح له الفُرصة، هذه ناحيةٌ.

والناحية الثانية: إذا خَفروا العهدَ الذِي بينَهم وبينَ غيرِهم مِن الدّول، فإذا عاهدُوا دولةً من الكُفار، وأَعطوهم العهدَ والأمانَ، ثم غدرُوا بهم وصَاروا يَعتدون عَليهم وهم مُعاهدون لهم، والمُعاهد يُحترَم له حقوقٌ، ويُحقَن دمُه، ويحرمُ مَاله بمُوجب العَهْد، فإذا اعتدَوْا عليه، وخانُوا العَهد الذِي أَعطوه، فإن اللهَ جل وعلا ينتقمُ منهم، ويسلِّط عليهم عدوَّهم.

واللهُ جل وعلا يقول: {وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا} [النحل: 91] ، وقالَ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يُرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» ([1])، الجنَّة عليه حرامٌ عُقوبة له. فالعَهْد أَمره عَظيمٌ، سَواء كانَ عهدًا مع السلطانِ، أو كانَ عهدًا مع غيرِ المُسلمين.

وقوله: «وَمَا لَمْ تَعْمَلْ أَئِمَّتُهُمْ» أي: ولا تحكمُ «بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» بل حَكَّمُوا غَيْرَه من نُظمِ الجَاهلية، ومن القَوانِين الوَضْعِية، «إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ»، وهذا واقعٌ ومُشاهَد، لما عُطِّلَ في كثيرٍ من البلدانِ الإسلاميَّة الحكمُ بالكتابِ والسنّة، وجُعِلت القوانينُ الوَضعية بدلاً عنها؛ أشغلَهم اللهُ جل وعلا بأنفسِهم، فجعلَ بأسَهم بينَهم، كُل يتربَّص بالآخَر، وانشغلُوا عن جِهاد الكُفَّار.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3166).