×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

وهذا فَهْم للآيةِ على غَير مَعناها؛ لأن اللهَ جل وعلا لم يقُل: لا تَأمروا بالمَعروف وتَنهوا عن المُنكر، بل قالَ: { عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ }، أي: أصلحُوا أنفسَكم أولاً، ولا تَنظروا إلى الناسِ، كأن يقولَ في المَعاصي والذنوبِ: هذا شيءٌ عليه الناسُ، وأنا أفعلُ مثلَ ما يَفعلُ الناسُ!

فكُل واحدٍ مَأمور بأن يُصلح نَفسه ولا يغترّ بما عَليه الناسُ، لكن لا يترُك الأمرَ بالمَعروف والنهيَ عن المُنكر حسبَ استطاعتِه؛ لأن اللهَ جل وعلا قالَ: { إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ}، ولا يكُون مهتدياً إلا إذا كانَ يأمرُ بالمَعروف ويَنهى عن المُنكر بحسبِ استطاعتِه.

فالآيةُ ليسَ فيها تَرك الأمرِ بالمَعروف والنَّهي عن المُنكر، وإنما فيها أن الإنسانَ لا يغترّ بأفعالِ الناسِ، ولا يُجاريهم ويَمشي معهم على ما هم عليهِ من الذُّنوب والمَعاصي، بل عَليه أن يُلزم نَفسه ويُصلحها، ويُنكر ما ظهرَ من المَعاصي قدرَ استطاعتِه، أما إذا كَانت المَعاصي خفيَّة فإنها لا تضُرّ إلا أصحَابها، فإذا جَهروا بها ولم تُنكَر؛ عمَّت عُقوبتها العَاصي والسَّاكت عن الإنكَار.

وقوله: «مِمَّا يَرَى مِنَ الْمُنْكَرِ لاَ يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهُ» إذا كانَ العَبد يتحسَّر إذا رأَى المُنكر وهو لا يَستطيع أن يُغيِّره، فهذا دليلٌ على الإيمانِ، لكن إذا صارَ لا يتحسَّر ولا يُحرِّك فيه ساكناً، فهذا دليلٌ على الشَّقاء والعِياذ باللهِ، ولذلكَ قالَ: «يَذُوبُ فِيهِ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» أي: القَلب الذِي فيه إيمَان.

أما الذِي يترُك الأمرَ بالمَعروف والنهيَ عن المُنكر فهذا قَلبه ليسَ فيه إيمَان؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : «وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِْيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» ([1]).


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (50).