وَفِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا صَاحِبَ الذَّنْبِ، لاَ تَأْمَنْ سُوءَ
عَاقِبَتِهِ، وَلَمَايَتْبَعُ الذَّنْبَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا
عَمِلْتَهُ، قِلَّةُ حَيَائِكَ مِمَّنْ عَلَى الْيَمِينِ وَعَلَى الشِّمَالِ - وَأَنْتَ
عَلَى الذَّنْبِ - أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ. وَضَحِكُكَ وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي مَا
اللَّهُ صَانِعٌ بِكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ. وَفَرَحُكَ بِالذَّنْبِ إِذَا
ظَفِرْتَ بِهِ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ. وَحُزْنُكَ عَلَى الذَّنْبِ إِذَا فَاتَكَ
أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ. وَخَوْفُكَ مِنَ الرِّيحِ إِذَا حَرَّكَتْ سِتْرَ
بَابِكَ وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ وَلاَ يَضْطَرِبُ فُؤَادُكَ مِنْ نَظَرِ اللَّهِ
إِلَيْكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ. وَيْحَكَ! هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ ذَنْبُ
أَيُّوبَ فَابْتَلاَهُ بِالْبَلاَءِ فِي جَسَدِهِ وَذَهَابِ مَالِهِ؟ اسْتَغَاثَ
بِهِ مِسْكِينٌ عَلَى ظَالِمٍ يَدْرَؤُهُ عَنْهُ، فَلَمْ يُعِنْهُ، وَلَمْ يَنْهَ
الظَّالِمَ عَنْ ظُلْمِهِ، فَابْتَلاَهُ اللَّهُ» ([1]).
****
الشرح
هذه الأحاديثُ والآثارُ
تَدُلّ على أنه لا يَجوز التساهُل في الذُّنوب، فإن الذنوبَ معصيةٌ ومخالفةٌ لأمرِ
اللهِ سبحانه وتعالى ، وإذا اجتمعتْ على العَبد - ولو كَانت يسيرةً وصغيرةً -
صارتْ كَبيرة، فتُهْلِكه وتَجُرّه إلى الكُفر؛ لأنه إذا تساهلَ بالشيءِ اليَسير
تساهلَ بالشيءِ الكَبير، وإذا عَظُمَ الشيءُ الصغيرُ عَظُمَ الكبيرُ.
فعلى العبدِ ألاَّ يتساهلَ بالذنوبِ والمَعاصي مِثل ما نَسمعُ عن بَعض الناسِ مِمَّن يَتساهلون في الذنوبِ ويَستخِفُّون بها، ويَظُنُّون أنها شيءٌ يسيرٌ، وهي عِند اللهِ كَبير: { وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ} [النور: 15] ، فبَنو إسرائيلَ إنما هَلكوا بهذا السببِ، كَانوا يَتساهلون في المُخالفات والذُّنوب وما زالُوا كذلكَ حتى وقعُوا في الكُفر؛ لأن المَعاصي بَرِيد الكُفر، يعني: تُوصل إلى الكُفرِ.
([1])أخرجه: أبو نعيم في حلية الأولياء (1/324).