قومُه ألاَّ يتكبَّر وألا
يغترَّ بهذه النِّعمة، وأن يعرفَ حقَّ اللهِ فيها، ولكنه جحدَ نِعمة اللهِ، وقال: { إِنَّمَآ
أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ} [القصص: 78] ، يعني: إنما حصَّلته بقُوَّتي وكَسْبي
ومَهارتي، وجحدَ أنه مِن اللهِ جل وعلا .
وقِيلَ: إن قولَه: { عَلَىٰ
عِلۡمٍ عِندِيٓۚ}يعني: أن اللهَ عَلِمَ أنه يَستحِقّ هذا، وقِيل: يعني: إنما اكتسبتُه عن
خبرةٍ بالمَكاسب، فلم يَنسبْه إلى رَبِّه ويقول: هذا من فضلِ اللهِ؛ فعاقبَه اللهُ
جل وعلا بهذه العُقوبة: {فَخَسَفۡنَا بِهِۦ
وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ
وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ} [القصص: 81] .
وقوله: «وَمَا الَّذِي أَهْلَكَ الْقُرُونَ مِنْ
بَعْدِ نُوحٍ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ»، أهلكَ اللهُ جل وعلا قروناً من بعد
نُوحٍ لا يَعلمهم إلا هو سبحانه وتعالى : { وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ ٱلۡقُرُونِ
مِنۢ بَعۡدِ نُوحٖۗ}، اللهُ تبارك وتعالى ذكرَ لنا بعضَ الأُمَم، ولكن كثيرًا مِن الأُمَم
قبلَنا لم يَذكُرهم، أهلكَهم بسببِ الذُّنوب والمَعاصي، {وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ
بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا} [الإسراء: 17] .
وقوله: «وَمَا الَّذِي أَهْلَكَ قَوْمَ صَاحِبِ يس
بِالصَّيْحَةِ»، قيل: هم أهلُ «أَنْطَاكية»
على البَحرِ، وقِيل: غَيرها: {وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا
أَصۡحَٰبَ ٱلۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ} [يس: 13] ، يُنذِرونهم، فأَبَوا واستكبرُوا وقَالوا: {قَالُواْ
مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ
إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ} [يس: 15] ، كذَّبوا الرُّسُل، فخرجَ مِنهم رجُل
يَنصحهم: {وَجَآءَ
مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ رَجُلٞ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} [يس: 20] .
ولكنهم أَبَوا، فماذا كانَ مِن عَاقبتهم؟ { وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ ٢٩} [يس: 28- 29] ، يعني: ما جاءَهم جُنود، وإنما أهلكَهم اللهُ بالصَّيْحة، واللهُ قادرٌ على كُلّ شيءٍ.