×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

 وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُقَصِّرُ الْعُمُرَ وَتَمْحَقُ بَرَكَتَهُ وَلاَ بُدَّ، فَإِنَّ الْبِرَّ كَمَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، فَالْفُجُورُ يُقَصِّرُ الْعُمُرَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: نُقْصَانُ عُمُرِ الْعَاصِي هُوَ ذَهَابُ بَرَكَةِ عُمُرِهِ وَمَحْقُهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا حَقٌّ، وَهُوَ بَعْضُ تَأْثِيرِ الْمَعَاصِي.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ تُنْقِصُهُ حَقِيقَةً، كَمَا تُنْقِصُ الرِّزْقَ، فَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْبَرَكَةِ فِي الرِّزْقِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً تُكَثِّرُهُ وَتَزِيدُهُ، وَلِلْبَرَكَةِ فِي الْعُمُرِ أَسْبَابًا تُكَثِّرُهُ وَتَزِيدُهُ. قَالُوا: وَلاَ تُمْنَعُ زِيَادَةُ الْعُمُرِ بِأَسْبَابٍ كَمَا يُنْقَصُ بِأَسْبَابٍ، فَالأَْرْزَاقُ وَالآْجَالُ، وَالسَّعَادَةُ وَالشَّقَاوَةُ، وَالصِّحَّةُ وَالْمَرَضُ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرُ، وَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ الرَّبِّ عز وجل ، فَهُوَ يَقْضِي مَا يَشَاءُ بِأَسْبَابٍ جَعَلَهَا مُوجِبَةً لِمُسَبَّبَاتِهَا مُقْتَضِيَةً لَهَا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: تَأْثِيرُ الْمَعَاصِي فِي مَحْقِ الْعُمُرِ إِنَّمَا هُوَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَيَاةِ هِيَ حَيَاةُ الْقَلْبِ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْكَافِرَ مَيِّتًا غَيْرَ حَيٍّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى، {أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ} [النَّحْلِ: 21] .

فَالْحَيَاةُ فِي الْحَقِيقَةِ حَيَاةُ الْقَلْبِ، وَعُمُرُ الإِْنْسَانِ مُدَّةُ حَيَّاتِهِ، فَلَيْسَ عُمُرُهُ إِلاَّ أَوْقَاتَ حَيَاتِهِ بِاللَّهِ، فَتِلْكَ سَاعَاتُ عُمُرِهِ، فَالْبِرُّ وَالتَّقْوَى وَالطَّاعَةُ تَزِيدُ فِي هَذِهِ الأَْوْقَاتِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ عُمُرِهِ، وَلاَ عُمُرَ لَهُ سِوَاهَا.

وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْعَبْدُ إِذَا أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ وَاشْتَغَلَ بِالْمَعَاصِي ضَاعَتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ حَيَاتِهِ الْحَقِيقِيَّةُ، الَّتِي يَجِدُ غِبَّ إِضَاعَتِهَا يَوْمَ يَقُولُ: {يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي} [الْفَجْرِ: 24] .

فَلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ تَطَلُّعٌ إِلَى مَصَالِحِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالأُْخْرَوِيَّةِ أَوْ لاَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَطَلُّعٌ إِلَى ذَلِكَ فَقَدْ ضَاعَ عَلَيْهِ عُمُرُهُ كُلُّهُ،


الشرح