كذلك العَاصي يَجِد وحشةً في
قَلبه بينَه وبينَ اللهِ، ووحشةً بينَه وبينَ الناسِ، وتكُون عَليه ذِلَّة واضِحة،
فلا يستطيعُ أن يُداوِم على مُجالسة أهلِ العِلم، ولا يَستطيع أن يَمشي معَهم،
وأشدُّ من ذلكَ أنه لما استوحشَ قلبُه من اللهِ استوحشَ من النَّاس.
ولذلكَ يقولُ الحَسَن
البَصْرِيّ رحمه الله في العُصاة: «إِنَّهُمْ
وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ، وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ، فَإِنَّ
ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لاَ يُفَارِقُ قُلُوبَهُمْ، أَبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ
يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ» ([1]) فهُمْ في
الظاهرِ في عِزٍّ وفي نعيمٍ، ولكن في قُلوبهم ذِلَّة ووَحشة، لا يَستأنسون بما
أُعطوا، ولا يتلذَّذون بما رُزِقوا.
قوله: «وَمَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلاَمٌ»،
يقولُ الشاعرُ ([2]):
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوَانُ
عَلَيْهِ |
|
وَمَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلاَمٌ |
لو يُضرَب الميتُ لا يحسُّ
ولا يَدرِي، فكذلكَ العاصِي لا يتأثَّر بالمَواعظ، ولا يتأثَّر بالذِّكر؛ لأنه
ميتُ القلبِ.
قوله: «وَكُلَّمَا قَوِيَتْ تِلْكَ الْوَحْشَةُ
بَعُدَ مِنْهُمْ وَمِنْ مُجَالَسَتِهِمْ»، فلا يحبُّ الجلوسَ معهم ولا يحبُّ
سماعَ كلامِهم، ولا يحبُّ مُصاحبتهم، وإنما يَصحب أمثالَه من العُصاة، ويأنسُ بهم؛
لأنه - كما قِيل - : الطُّيور على أشباهِها تَقَعُ.
وقوله: «وَقَرُبَ مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ بِقَدْرِ مَا بَعُدَ مِنْ حِزْبِ الرَّحْمَنِ»؛ لأنه لا يَستطيعُ أن يعيشَ وحدَه، لا بُدَّ له من جُلساء ومُرافقِين، فإما أن يُرافق أهلَ الخيرِ، وإما أن يُرافق أهلَ الشرِّ لا بُدَّ، «وَتَقْوَى هَذِهِ الْوَحْشَةُ حَتَّى تَسْتَحْكِمَ» حتى إنه يَستوحش من زَوجته ومن أقاربِه بسببِ المَعصية.
([1])أخرجه: أبو نعيم في حلية الأولياء (2/149) بنحوه.