وَمِنْهَا: تَعْسِيرُ أُمُورِهِ عَلَيْهِ، فَلاَ
يَتَوَجَّهُ لأَِمْرٍ إِلاَّ يَجِدُهُ مُغْلَقًا دُونَهُ أَوْ مُتَعَسِّرًا
عَلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ مَنْ اتَقَّى اللَّهَ جَعَلَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ
يُسْرًا، فَمَنْ عَطَّلَ التَّقْوَى جَعَلَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ عُسْرًا.
وَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ!
كَيْفَ يَجِدُ الْعَبْدُ أَبْوَابَ الْخَيْرِ وَالْمَصَالِحِ مَسْدُودَةً عَنْهُ
وَطُرُقَهَا مُعَسَّرَةً عَلَيْهِ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أُتِيَ؟!
وَمِنْهَا: ظُلْمَةٌ
يَجِدُهَا فِي قَلْبِهِ حَقِيقَةً، يَحِسُّ بِهَا كَمَا يَحِسُّ بِظُلْمَةِ
اللَّيْلِ الْبَهِيمِ إِذَا ادْلَهَمَّ، فَتَصِيرُ ظُلْمَةُ الْمَعْصِيَةِ
لِقَلْبِهِ كَالظُّلْمَةِ الْحِسِّيَّةِ لِبَصَرِهِ، فَإِنَّ الطَّاعَةَ نُورٌ،
وَالْمَعْصِيَةَ ظُلْمَةٌ، وَكُلَّمَا قَوِيَتِ الظُّلْمَةُ ازْدَادَتْ
حَيْرَتُهُ، حَتَّى يَقَعَ فِي الْبِدَعِ وَالضَّلاَلاَتِ وَالأُْمُورِ
الْمُهْلِكَةِ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ، كَأَعْمَى أُخْرِجَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ
يَمْشِي وَحْدَهُ، وَتَقْوَى هَذِهِ الظُّلْمَةُ حَتَّى تَظْهَرَ فِي الْعَيْنِ،
ثُمَّ تَقْوَى حَتَّى تَعْلُوَ الْوَجْهَ، وَتَصِيرُ سَوَادًا فِي الْوَجْهِ
حَتَّى يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبَّاسٍ: «إِنَّ لِلْحَسَنَةِ ضِيَاءً فِي الْوَجْهِ، وَنُورًا فِي الْقَلْبِ،
وَسَعَةً فِي الرِّزْقِ، وَقُوَّةً فِي الْبَدَنِ، وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ
الْخَلْقِ، وَإِنَّ لِلسَّيِّئَةِ سَوَادًا فِي الْوَجْهِ، وَظُلْمَةً فِي
الْقَبْرِ وَالْقَلْبِ، وَوَهْنًا فِي الْبَدَنِ، وَنَقْصًا فِي الرِّزْقِ،
وَبُغْضَةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ» ([1]).
****
الشرح
قوله: «وَهَذَا كَمَا أَنَّ مَنْ اتَقَّى اللَّهَ جَعَلَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا»، كما في قَول اللهِ تبارك وتعالى : { فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ
([1])أخرجه: ابن أبي الدنيا في التوبة رقم (193) بنحوه.