وَمِنْهَا أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُوهِنُ الْقَلْبَ
وَالْبَدَنَ.
أَمَّا وَهْنُهَا لِلْقَلْبِ
فَأَمْرٌ ظَاهِرٌ، بَلْ لاَ تَزَالُ تُوهِنُهُ حَتَّى تُزِيلَ حَيَاتَهُ
بِالْكُلِّيَّةِ.
وَأَمَّا وَهْنُهَا
لِلْبَدَنِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ قُوَّتُهُ مِنْ قَلْبِهِ، وَكُلَّمَا قَوِيَ قَلْبُهُ
قَوِيَ بَدَنُهُ، وَأَمَّا الْفَاجِرُ فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ
- فَهُوَ أَضْعَفُ شَيْءٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَتَخُونُهُ قُوَّتُهُ عِنْدَ
أَحْوَجِ مَا يَكُونُ إِلَى نَفْسِهِ.
فَتَأَمَّلْ قُوَّةَ
أَبْدَانِ فَارِسَ وَالرُّومِ، كَيْفَ خَانَتْهُمْ أَحْوَجَ مَا كَانُوا
إِلَيْهَا، وَقَهَرَهُمْ أَهْلُ الإِْيمَانِ بِقُوَّةِ أَبْدَانِهِمْ
وَقُلُوبِهِمْ؟!
وَمِنْهَا: حِرْمَانُ
الطَّاعَةِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلذَّنْبِ عُقُوبَةٌ إِلاَّ أَنْ يَصُدَّ عَنْ
طَاعَةٍ تَكُونُ بَدَلَهُ، وَيَقْطَعَ طَرِيقَ طَاعَةٍ أُخْرَى، فَيَنْقَطِعَ
عَلَيْهِ بِالذَّنْبِ طَرِيقٌ ثَالِثَةٌ، ثُمَّ رَابِعَةٌ، وَهَلُمَّ جَرًّا،
فَيَنْقَطِعُ عَلَيْهِ بِالذَّنْبِ طَاعَاتٌ كَثِيرَةٌ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا
خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. وَهَذَا كَرَجُلٍ أَكَلَ أَكْلَةً
أَوْجَبَتْ لَهُ مِرْضَةً طَوِيلَةً مَنَعَتْهُ مِنْ عِدَّةِ أَكَلاَتِ أَطْيَبَ
مِنْهَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
****
الشرح
من آثارِ المَعاصي على
العُصاة أنها تُضعف القلبَ والبَدن، فتَجِد أهلَ الطاعاتِ عندهم قُوة في أبدانِهم،
وقُوة في قُلوبهم وعَزائمهم.
وقوله: «وَأَمَّا الْفَاجِرُ فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ - فَهُوَ أَضْعَفُ شَيْءٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ»، القُوة الإيمَانية هي التِي تَنفع، أما قُوة البَدن فهذه قُوة حَيوانية لا قيمةَ لها، فما كانَ هُناك أقوَى من أبدانِ فَارِس والرُّوم، ومع هذا كَانوا أضعَف في الحُروب وعند اللقاءِ، بَينما أهلُ الإيمانِ أقوَى الناسِ عند اللقاءِ وعندَ القِتال، ولذلك تغلَّب المُسلمون على