وَتُخْرِجَ الأَْرْضُ
بَرَكَاتِهَا، وَتَعُودُ كَمَا كَانَتْ، حَتَّى إِنَّ الْعِصَابَةَ مِنَ النَّاسِ
لَيَأْكُلُونِ الرُّمَّانَةَ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيَكُونُ
الْعُنْقُودُ مِنَ الْعِنَبِ وَقْرَ بَعِيرٍ، وَلَبَنُ اللِّقْحَةِ الْوَاحِدَةِ
لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ ([1]).
وَهَذِهِ لأَِنَّ الأَْرْضَ
لَمَّا طَهُرَتْ مِنَ الْمَعَاصِي ظَهَرَتْ فِيهَا آثَارُ الْبَرَكَةِ مِنَ
اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي مَحَقَتْهَا الذُّنُوبُ وَالْكُفْرُ.
وَلاَ رَيْبَ أَنَّ
الْعُقُوبَاتِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الأَْرْضِ بَقِيَتْ آثَارُهَا
سَارِيَةً فِي الأَْرْضِ تَطْلُبُ مَا يُشَاكِلُهَا مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ
آثَارُ تِلْكَ الْجَرَائِمِ الَّتِي عُذِّبَتْ بِهَا الأُْمَمُ. فَهَذِهِ
الآْثَارُ فِي الأَْرْضِ مِنْ آثَارِ تِلْكَ الْعُقُوبَاتِ، كَمَا أَنَّ هَذِهِ
الْمَعَاصِي مِنْ آثَارِ تِلْكَ الْجَرَائِمِ، فَتَنَاسَبَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ
وَحُكْمَهُ الْكَوْنِيُّ أَوَّلاً وَآخِرًا، وَكَانَ الْعَظِيمُ مِنَ الْعُقُوبَةِ
لِلْعَظِيمِ مِنَ الْجِنَايَةِ، وَالأَْخَفُّ لِلأَْخَفِّ، وَهَكَذَا يَحْكُمُ
سُبْحَانَهُ بَيْنَ خَلْقِهِ فِي دَارِ الْبَرْزَخِ وَدَارِ الْجَزَاءِ.
وَتَأَمَّلْ مُقَارَنَةَ
الشَّيْطَانِ وَمَحِلَّهُ وَدَارَهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَارَنَ الْعَبْدَ
وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ؛ نُزِعَتِ الْبَرَكَةُ مِنْ عُمُرِهِ، وَعَمَلِهِ،
وَقَوْلِهِ، وَرِزْقِهِ. وَلَمَّا أَثَّرَتْ طَاعَتُهُ فِي الأَْرْضِ مَا
أَثَّرَتْ نُزِعَتِ الْبَرَكَةُ مِنْ كُلِّ مَحِلٍّ ظَهَرَتْ فِيهِ طَاعَتُهُ،
وَكَذَلِكَ مَسَكْنُهُ لَمَّا كَانَ الْجَحِيمَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ مِنَ
الرُّوحِ وَالرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ.
****
الشرح
هذا كُلُّه في مَعنى قولِ اللهِ سبحانه وتعالى : {ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} [الروم: 41] ، وهَل المُراد بالفسادِ المَعاصي، أو المُراد آثارُ المَعاصي؟
([1])أخرجه: مسلم رقم (2937).