وَلاَ تَحْسَبُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ
لَفِي نَعِيمٖ ١٣وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٖ ١٤} [الاِنْفِطَارِ: 13- 14] مَقْصُورٌ عَلَى نَعِيمِ
الآْخِرَةِ وَجَحِيمِهَا فَقَطْ، بَلْ فِي دُورِهِمُ الثَّلاَثَةِ كَذَلِكَ،
أَعْنِي: دَارَ الدُّنْيَا، وَدَارَ الْبَرْزَخِ، وَدَارَ الْقَرَارِ، فَهَؤُلاَءِ
فِي نَعِيمٍ، وَهَؤُلاَءِ فِي جَحِيمٍ. وَهَلِ النَّعِيمُ إِلاَّ نَعِيمُ
الْقَلْبِ؟! وَهَلِ الْعَذَابُ إِلاَّ عَذَابُ الْقَلْبِ؟!
وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ
مِنَ الْخَوْفِ، وَالْهَمِّ وَالْحُزْنِ، وَضِيقِ الصَّدْرِ، وَإِعْرَاضِهِ عَنِ
اللَّهِ وَالدَّارِ الآْخِرَةِ، وَتَعَلُّقِهِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَانْقِطَاعِهِ
عَنِ اللَّهِ، بِكُلِّ وَادٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ؟ وَكُلُّ شَيْءٍ تَعَلَّقَ بِهِ
وَأَحَبَّهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَسُومُهُ سُوءَ الْعَذَابِ.
فَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ
شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ،
فَهُوَ يُعَذَّبُ بِهِ قَبْلَ حُصُولِهِ حَتَّى يَحْصُلَ، فَإِذَا حَصَلَ عُذِّبَ
بِهِ حَالَ حُصُولِهِ بِالْخَوْفِ مِنْ سَلْبِهِ وَفَوَاتِهِ، وَالتَّنْغِيصِ
وَالتَّنْكِيدِ عَلَيْهِ، وَأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ فِي هَذِهِ
الْمُعَارَضَاتِ، فَإِذَا سُلِبَهُ اشْتَدَّ عَلَيْهِ عَذَابُهُ، فَهَذِهِ
ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ فِي هَذِهِ الدَّارِ.
****
الشرح
قَوله تَعالى: { إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ
لَفِي نَعِيمٖ ١٣وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٖ ١٤} يعني: نَعيم في الدنيَا والآخِرة، أو جَحيم في الدنيَا
والآخِرة.
وقوله: «بَلْ فِي دُورِهِمُ الثَّلاَثَةِ كَذَلِكَ» التي هِي: الدنيَا، والقَبر، والآخِرة، فالأبرَار في نَعيم في الحيَاة الدنيَا، وفي نَعيم القَبر، وفي نَعيم الجَنة في الآخِرة، والفُجَّار في جَحيم في الدنيَا، وجَحيم في القَبر، وجَحيم في الآخِرة.