وَأَمَّا فِي الْبَرْزَخِ: فَعَذَابٌ
يُقَارِنُهُ أَلَمُ الْفِرَاقِ الَّذِي لاَ يَرْجُو عَوْدَةً، وَأَلَمُ فَوَاتِ
مَا فَاتَهُ مِنَ النَّعِيمِ الْعَظِيمِ بِاشْتِغَالِهِ بِضِدِّهِ، وَأَلَمُ
الْحِجَابِ عَنِ اللَّهِ، وَأَلَمُ الْحَسْرَةِ الَّتِي تَقْطَعُ الأَْكْبَادَ،
فَالْهَمُّ وَالْغَمُّ وَالْحُزْنُ تَعْمَلُ فِي نُفُوسِهِمْ نَظِيرَ مَا يَعْمَلُ
الْهَوَامُّ وَالدِّيدَانُ فِي أَبْدَانِهِمْ، بَلْ عَمَلُهَا فِي النُّفُوسِ
دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ، حَتَّى يَرُدَّهَا اللَّهُ إِلَى أَجْسَادِهَا، فَحِينَئِذٍ
يَنْتَقِلُ الْعَذَابُ إِلَى نَوْعٍ هُوَ أَدْهَى وَأَمَرُّ.
فَأَيْنَ هَذَا مِنْ نَعِيمِ
مَنْ يَرْقُصُ قَلْبُهُ طَرَبًا وَفَرَحًا وَأُنْسًا بِرَبِّهِ، وَاشْتِيَاقًا
إِلَيْهِ، وَارْتِيَاحًا بِحُبِّهِ، وَطُمَأْنِينَةً بِذِكْرِهِ؟! حَتَّى يَقُولَ
بَعْضُهُمْ فِي حَالِ نَزْعِهِ: «وَاطَرَبَاهُ» ([1]).
ويقول الآخر: «إن كان أهل
الجنة في مثل هذه الحال، إنهم لفي عيش طيب» ([2]).
وَيَقُولُ الآْخَرُ: «مَسَاكِينُ
أَهْلُ الدُّنْيَا، خَرَجُوا مِنْهَا وَمَا ذَاقُوا لَذِيذَ الْعَيْشِ فِيهَا،
وَمَا ذَاقُوا أَطْيَبَ مَا فِيهَا» ([3]).
وَيَقُولُ الآْخَرُ: «لَوْ
عَلِمَ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ لَجَالَدُونَا
عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ» ([4]).
وَيَقُولُ الآْخَرُ: «إِنَّ فِي الدُّنْيَا جَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الآْخِرَةِ».
([1])أخرجه: ابن أبي الدنيا في المحتضرين رقم (294).