فَتَأَمَّلْ خَتْمَ هَذِهِ الآْيَةِ بِاسْمَيْنِ
مِنْ أَسْمَائِهِ - وَهُمَا: «الْحَلِيمُ»، وَ«الْغَفُورُ» - كَيْفَ تَجِدُ تَحْتَ
ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْلاَ حِلْمُهُ عَنِ الْجُنَاةِ وَمَغْفِرَتُهُ لِلْعُصَاةِ
لَمَا اسْتَقَرَّتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَْرْضُ؟!
وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ
عَنْ كُفْرِ بَعْضِ عِبَادِهِ أَنَّهُ: { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ
يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا } [مَرْيَمَ: 90] .
وَقَدْ أَخْرَجَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ الأَْبَوَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبٍ وَاحِدٍ ارْتَكَبَاهُ
وَخَالَفَا فِيهِ نَهْيَهُ، وَلَعَنَ إِبْلِيسَ وَطَرَدَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ
مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ بِذَنْبٍ وَاحِدٍ ارْتَكَبَهُ وَخَالَفَ
فِيهِ أَمْرَهُ، وَنَحْنُ مَعَاشِرُ الْحَمْقَى كَمَا قِيلَ:
نَصِلُ الذُّنُوبَ إِلَى الذُّنُوبِ وَنَرْتَجِي |
|
دَرَجَ الْجِنَانِ لِذِي النَّعِيمِ الْخَالِدِ |
|
وَلَقَدْ عَلِمْنَا أَخْرَجَ الأَْبَوَيْنِ مِنْ |
|
مَلَكُوتِهِ الأَْعْلَى بِذَنْبٍ وَاحِدِ |
|
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ
الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِمَّا كَانَ قَبْلَ
الْخَطِيئَةِ وَأَرْفَعَ دَرَجَةً، وَقَدْ تُضْعِفُ الْخَطِيئَةُ هِمَّتَهُ
وَتُوهِنُ عَزْمَهُ، وَتُمْرِضُ قَلْبَهُ، فَلاَ يَقْوَى دَوَاءُ التَّوْبَةِ
عَلَى إِعَادَتِهِ إِلَى الصِّحَّةِ الأَْوْلَى، فَلاَ يَعُودُ إِلَى دَرَجَتِهِ،
وَقَدْ يَزُولُ الْمَرَضُ بِحَيْثُ تَعُودُ الصِّحَّةُ كَمَا كَانَتْ وَيَعُودُ
إِلَى مِثْلِ عَمَلِهِ، فَيَعُودُ إِلَى دَرَجَتِهِ.
هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ
نُزُولُهُ إِلَى مَعْصِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ نُزُولُهُ إِلَى أَمْرٍ يَقْدَحُ فِي
أَصْلِ إِيمَانِهِ، مِثْلِ الشُّكُوكِ وَالرِّيَبِ وَالنِّفَاقِ، فَذَاكَ نُزُولٌ
لاَ يُرْجَى لِصَاحِبِهِ صُعُودٌ إِلاَّ بِتَجْدِيدِ إِسْلاَمِهِ.
****
الشرح
النفسُ تحتاجُ إلى مَن يَأخذ بذِمامها؛ لأنها تُريد الشَّهوات، وتَميل إلى الكُل، فالطاعةُ ليستْ بالأمرِ الهَيِّن، وإنما تَحتاجُ إلى صبرٍ، وإلى مُداوَمة، ولذلكَ قَلَّ أهلُ التَّقْوَى، وكَثُرَ أهلُ المَعاصي؛