لأن المَعاصي تَمِيل إليها النُّفوس، وأما
الطاعَة فالنُّفُوس لا تُرِيدها؛ لما فيها مِن مَشَقَّة ومُخالفة للهَوَى، وأيضاً
هي صُعود، والصعودُ صعبٌ إلا عَلى أهلِ الصَّبر، أما المَعاصي فهِي نُزول
وانحدارٌ، وهذا سهلٌ على النفوسِ.
وقد يجتمعُ للإنسانِ طَاعة
ومَعصية، فيكُون فيه ارتفاعٌ مِن ناحيةٍ وفيه هبوطٌ من ناحيةٍ أُخرى، يَعني:
النَّاس علَى ثلاثةِ أقسامٍ:
الأول: أهلُ صعودٍ وعُلوٍّ
دائماً، وهم السَّابقون المُقرَّبون.
الثاني: أهلُ سُفولٍ ونزولٍ
دَائم، وهم الكُفار والمُنافقون: {إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ
ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ} [النساء: 145] .
الثالث: مَن يجتمعُ فيه
هَذا وهَذا، وهو المُؤمن الذِي فيه بَعض المَعاصي، فهَذا فيه ارتفاعٌ من ناحيةِ
الطاعاتِ، وفيه هُبوط وانخفاضٌ مِن ناحيةِ المَعصية.
مَسألة في آخرِ هَذا
البَحث وهِي: هَل مَن حصلَ مِنه ذنبٌ ثم تابَ مِنه يعودُ إلى مَنزلته قبلَ أن فعلَ
المَعصية؟
فيه خِلافٌ، ولكِن الصَّواب
- واللهُ أَعلمُ - أن هَذا بحَسب التوبةِ، إذا كَانت تَوبتُه قَويَّةً، وشُعورُه
بالذنبِ كَبيرًا، ونَدمُه على ما حصلَ كَبيرًا، فهَذا يَرجع إلى مَنزلته أو أَعلى
مِنها، و«التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ،
كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ» ([1]) والتوبةُ
تَجُبُّ ما قبلَها.
ولذلكَ الصحابةُ جل وعلا مِنهم مَن كانَ قَبل إسلامِه كافرًا عابدًا للأصنامِ، ثم تابَ وصارَ أفضلَ الناسِ بعدَ الأنبياءِ؛ لصِدق تَوبته، وقُوة إيمانِه.
([1])أخرجه: ابن ماجه رقم (4250)، والطبراني في الكبير رقم (10281).