×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

 وَلَمْ يَكْتَفِ مِنْهُمْ بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ، حَتَّى يُوصِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهِ وَيُرْشِدَهُ إِلَيْهِ وَيَحُضَّهُ عَلَيْهِ.

وَإِذَا كَانَ مَنْ عَدَا هَؤُلاَءِ فَهُوَ خَاسِرًا، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَعَاصِيَ وَالذُّنُوبَ تُعْمِي بَصِيرَةَ الْقَلْبِ فَلاَ يُدْرِكُ الْحَقَّ كَمَا يَنْبَغِي، وَتَضْعُفُ قُوَّتُهُ وَعَزِيمَتُهُ فَلاَ يَصْبِرُ عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ يَتَوَارَدُ عَلَى الْقَلْبِ حَتَّىيَنْعَكِسَ إِدْرَاكُهُ كَمَا يَنْعَكِسُ سَيْرُهُ، فَيُدْرِكُ الْبَاطِلَ حَقًّا وَالْحَقَّ بَاطِلاً، وَالْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا، فَيَنْتَكِسُ فِي سَيْرِهِ وَيَرْجِعُ عَنْ سَفَرِهِ إِلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الآْخِرَةِ، إِلَى سَفَرِهِ إِلَى مُسْتَقَرِّ النُّفُوسِ الْمُبْطِلَةِ الَّتِي رَضِيَتْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَاطْمَأَنَّتْ بِهَا، وَغَفَلَتْ عَنِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ، وَتَرَكَتْ الاِسْتِعْدَادَ لِلِقَائِهِ.

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي عُقُوبَةِ الذُّنُوبِ إِلاَّ هَذِهِ وَحْدَهَا لَكَانَتْ دَاعِيَةً إِلَى تَرْكِهَا وَالْبُعْدِ مِنْهَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَهَذَا كَمَا أَنَّ الطَّاعَةَ تُنَوِّرُ الْقَلْبَ وَتَجْلُوهُ وَتَصْقُلُهُ، وَتُقَوِّيهِ وَتُثَبِّتُهُ حَتَّى يَصِيرَ كَالْمِرْآةِ الْمَجْلُوَّةِ فِي جَلاَئِهَا وَصَفَائِهَا فَيَمْتَلِئَ نُورًا، فَإِذَا دَنَا الشَّيْطَانُ مِنْهُ أَصَابَهُ مِنْ نُورِهِ مَا يُصِيبُ مُسْتَرِقَ السَّمْعِ مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ، فَالشَّيْطَانُ يَفْرَقُ مِنْ هَذَا الْقَلْبِ أَشَدَّ مِنْ فَرَقِ الذِّئْبِ مِنَ الأَْسَدِ، حَتَّى إِنَّ صَاحِبَهُ لَيَصْرَعُ الشَّيْطَانَ فَيَخِرُّ صَرِيعًا، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا شَأْنُهُ؟ فَيُقَالُ: أَصَابَهُ إِنْسِيٌّ، وَبِهِ نَظْرَةٌ مِنَ الإِْنْسِ:

فَيَا نَظْرَةً مِنْ قَلْبِ حُرٍّ مُنَوَّرٍ

 

يَكَادُ لَهَا الشَّيْطَانُ بِالنُّورِ يُحْرَقُ

أَفَيَسْتَوِي هَذَا الْقَلْبُ وَقَلْبٌ مُظْلِمٌ أَرْجَاؤُهُ، مُخْتَلِفَةٌ أَهْوَاؤُهُ، قَدِ اتَّخَذَهُ الشَّيْطَانُ وَطَنَهُ وَأَعَدَّهُ مَسْكَنَهُ، إِذَا تَصَبَّحَ بِطَلْعَتِهِ حَيَّاهُ، وَقَالَ: فَدَيْتُ مَنْ لاَ يُفْلِحُ فِي دُنْيَاهُ وَلاَ فِي أُخْرَاهُ؟!


الشرح