وَمِنْهَا: مَسْخُ الْقَلْبِ، فَيُمْسَخُ كَمَا
تُمْسَخُ الصُّورَةُ، فَيَصِيرُ الْقَلْبُ عَلَى قَلْبِ الْحَيَوَانِ الَّذِي
شَابَهَهُ فِي أَخْلاَقِهِ وَأَعْمَالِهِ وَطَبِيعَتِهِ، فَمِنَ الْقُلُوبِ مَا
يُمْسَخُ عَلَى قَلْبِ خِنْزِيرٍ لِشِدَّةِ شَبَهِ صَاحِبِهِ بِهِ، وَمِنْهَا مَا
يُمْسَخُ عَلَى خلقِ كَلْبٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ وَغَيْرِ
ذَلِكَ.
وَهَذَا تَأْوِيلُ سُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ
وَلَا طَٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ} [الأَْنْعَامِ:
38] . قَالَ: «مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ عَلَى أَخْلاَقِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ عَلَى أَخْلاَقِ الْكِلاَبِ وَأَخْلاَقِ الْخَنَازِيرِ
وَأَخْلاَقِ الْحَمِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَطَوَّسُ فِي ثِيَابِهِ كَمَا
يَتَطَوَّسُ الطَّاوُوسُ فِي رِيشِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَلِيدًا
كَالْحِمَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ كَالدِّيكِ، وَمِنْهُمْ
مِنْ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ كَالْحَمَامِ، وَمِنْهُمُ الْحَقُودُ كَالْجَمَلِ،
وَمِنْهُمُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ كَالْغَنَمِ، وَمِنْهُمْ أَشْبَاهُ
الذئاب، ومنهم أشباه الثعالب التي تروغ كروغانها» ([1]).
وَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ
تَعَالَى أَهْلَ الْجَحِيمِ وَالْغَيِّ بِالْحُمُرِ تَارَةً، وَبِالْكَلْبِ
تَارَةً، وَبِالأَْنْعَامِ تَارَةً، وَتَقْوَى هَذِهِ الْمُشَابَهَةُ بَاطِنًا
حَتَّى تَظْهَرَ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ ظُهُورًا خَفِيًّا، يَرَاهُ
الْمُتَفَرِّسُونَ، وَتَظْهَرُ فِي الأَْعْمَالِ ظُهُورًا يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ،
وَلاَ يَزَالُ يَقْوَى حَتَّى تُسْتَشْنَعَ الصُّورَةُ، فَتَنْقَلِبُ لَهُ الصُّورَةُ
بِإِذْنِ اللَّهِ، وَهُوَ الْمَسْخُ التَّامُّ، فَيَقْلِبُ اللَّهُ سبحانه وتعالى
الصُّورَةَ الظَّاهِرَةَ عَلَى صُورَةِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ، كَمَا فَعَلَ
بِالْيَهُودِ وَأَشْبَاهِهِمْ، وَيَفْعَلُ بِقَوْمٍ مِنْ هَذِهِ الأُْمَّةِ
يَمْسَخُهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ.
****
الشرح
قولُه: «ومنها: مسخُ القلبِ، فيُمْسَخُ كما تُمْسَخُ الصُّورةُ»، بمعنى: أَنَّه تتغيَّر حالتُه، لا أَنْ تُمْسَخَ صورتُه، وإِنَّما يُمْسَخُ إِدْراكُه ويصبح لا يدرك.
([1])أخرجه: أبو سليمان الخطابي في العزلة (ص: 55) بنحوه.