أَمَّا في القبر - والعِياذُ باللهِ - فتَجِدُ
المعْرِضَ عن ذكر اللهِ في الدُّنْيَا يُضَيَّقُ عليه القَبْرُ حتى تختلف
أَضْلاعُه، ويُفْتَحُ له بابٌ إِلَى النَّارِ ويَأْتِيْهِ مِن سمومِها وحَرِّها،
أَمَّا المؤمن فإِنَّه يُوسَّع لَهُ في قبره مَدَّ بَصَرِهِ، ويُفْتَحُ له بابٌ
إِلَى الجَنَّةِ، ويُفْرَشُ مِن الجَنَّةِ، ويَأْتِيْهِ مِن رِيْحِها.
فهو وإِنْ كان عنده أَمْوالُ
الدُّنْيَا كلُّها فإِنَّ قلبَه في ضَنْكٍ، ولهذا تَجِدُ الكفَّارَ الآنَ عندَهم
مِن أُمُورِ الدُّنْيَا الشَّيْءُ الكثيرُ، لكنَّهم في ضَنْكٍ، وكثيرٌ منهم
يَنْتَحِرُوْنَ بسببِ هذا الضَّنْكِ، فلا يتلذَّذون بما أَعْطاهم اللهُ مِن متاعِ
الدُّنْيَا؛ لأَنَّ المُتْعَةَ مُتْعَةُ القلبِ وليستْ مُتْعَةَ البَدَنِ، فتَجِدُ
أَحَدَهُمْ عنده أَمْوالٌ عظيمةٌ، وأَرْصِدَةٌ ضَخْمَةٌ، لكنَّه لا يتلذَّذ، ولا
ينشرح صدرُه، ولا يَطْمَئِنُّ، ودائِماً في قَلَقٍ، بَيْنَمَا هذا الفقيرُ الذي
ليس عنده شيءٌ، لكنَّه مُقْبِلٌ على الله، تَجِدُهُ في راحةٍ وفي لذَّةٍ ونعمةٍ،
ورِضًا بما أَعْطاه اللهُ جل وعلا .
ولذلك يقولُ اللهُ تَبَاركَ وتَعَالَى في المنافقين: { فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ } [التوبة: 55] .