وَالرَّبُّ تبارك وتعالى عَلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَنَهْيِهِ وَأَمْرِهِ، فَيَهْدِي مَنْ
يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَجَعْلِهِ
الْهِدَايَةَ حَيْثُ تَصْلُحُ، وَيَصْرِفُ مَنْ يَشَاءُ عَنْ صِرَاطِهِ
الْمُسْتَقِيمِ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، لِعَدَمِ صَلاَحِيَةِ الْمَحَلِّ،
وَذَلِكَ مُوجِبُ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ.
فَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ، وَنَصَبَ لِعِبَادِهِ مِنْ أَمْرِهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا دَعَاهُمْ
جَمِيعًا إِلَيْهِ حُجَّةً مِنْهُ وَعَدْلاً، وَهَدَىمَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ إِلَى
سُلُوكِهِ نِعْمَةً مِنْهُ وَفَضْلاً، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهَذَا الْعَدْلِ وَهَذَا
الْفَضْلِ عَنْ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ.
فَإِذَا كَانَ يَوْمُ لِقَائِهِ
نَصَبَ لِخَلْقِهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا يُوَصِّلُهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ، ثُمَّ
صَرَفَ عَنْهُ مَنْ صَرَفَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَأَقَامَ عَلَيْهِ مَنْ
أَقَامَهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وجعل نور المؤمنين به وبرسوله وما جاء به الذي
كان في قلوبهم في الدنيا نُورًا ظَاهِرًا يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِمْ فِي ظُلْمَةِ الْحَشْرِ، وَحَفِظَ عَلَيْهِمْ نُورَهُمْ حَتَّى
قَطَعُوهُ كَمَا حَفِظَ عَلَيْهِمُ الإِْيمَانَ حَتَّى لَقَوْهُ، وَأَطْفَأَ نُورَ
الْمُنَافِقِينَ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهِ، كَمَا أَطْفَأَهُ مِنْ
قُلُوبِهِمْ فِي الدُّنْيَا.
وَأَقَامَ أَعْمَالَ
الْعُصَاةِ بِجَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ كَلاَلِيبَ وَحَسَكًا تَخْطِفُهُمْ كَمَا
خَطَفَتْهُمْ فِي الدُّنْيَا عَنِ الاِسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ قُوَّةَ
سَيْرِهِمْ وَسُرْعَتَهُمْ عَلَى قَدْرِ قُوَّةِ سَيْرِهِمْ وَسُرْعَتِهِمْ فِي
الدُّنْيَا.
وَنَصَبَ لِلْمُؤْمِنِينَ حَوْضًا يَشْرَبُونَ مِنْهُ بِإِزَاءِ شُرْبِهِمْ مِنْ شَرْعِهِ فِي الدُّنْيَا، وَحَرَمَ مِنَ الشُّرْبِ مِنْهُ هُنَاكَ مَنْ حُرِمَه من الشُّرْبَ مِنْ شَرْعِهِ وَدِينِهِ هَاهُنَا.