فَانَظُرْ إِلَى الآْخِرَةِ كَأَنَّهَا رَأْيُ
عَيْنٍ، وَتَأَمَّلْ حِكْمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي الدَّارَيْنِ، تَعْلَمْ
حِينَئِذٍ عِلْمًا يَقِينًا لاَ شَكَّ فِيهِ: أَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ
الآْخِرَةِ وَعُنْوَانُهَا وَأُنْمُوذَجُهَا، وَأَنَّ مَنَازِلَ النَّاسِ فِيهَا
مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ عَلَى حَسَبِ مَنَازِلِهِمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ
فِي الإِْيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَضِدِّهِمَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَمِنْ أَعْظَمِ عُقُوبَاتِ
الذُّنُوبِ الْخُرُوجُ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي الدُّنْيَا
وَالآْخِرَةِ.
****
الشرح
قولُه: «والرَّبُّ تبارك وتعالى على صراطٍ مستقيمٍ
في قضائِه وقَدَرِه، ونَهْيِه وأَمْرِه» يعني: أَنَّ الإِنْسانَ في هذه
الدُّنْيَا مُعْرَضٌ للآفاتِ القلبيَّةِ، والآفاتِ البدنيَّةِ، لكنَّ الآفاتِ التي
تُصيب قلبَه وتَصْرِفُهُ عن اللهِ عز وجل ، أَوْ تُمْرِضُهُ أَوْ تُمِيْتُهُ،
أَشَدُّ من الآفاتِ الجسميَّةِ التي تُصيب جِسْمَه فتُعِيْبُه أَوْ تُفْسِدُه.
والعبدُ لا يستطيع الثَّباتَ
على الهِداية إِلاَّ بإِعَانَةِ اللهِ، فلا حولَ ولا قوةَ لَهُ إِلاَّ باللهِ عز
وجل ، ولو أَرَادَ فإِنَّه لا يستطيع إِذَا لم يُساعدْه اللهُ ويُعِنْهُ، ولذلك
نقولُ في صلاتِنا كلَّ يومٍ: {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ، وقال مُوْسَى عليه السلام لقومِه: {ٱسۡتَعِينُواْ
بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ} [الأعراف: 128] ، فلا بدَّ مِن العونِ من اللهِ جل وعلا
، ولو أَنَّك وَكَّلْتَ إِلَى نفسِك لم تستطعْ.
وقولُه: «فهو على صراطٍ مستقيمٍ» كما في قولِ اللهِ عز وجل : {إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} [هود: 56] ، أَيْ طريقٍ واضحٍ.