والهِدَايَةُ إِلَى الصِّراطِ المستقيمِ تتضمَّن
الدَّلالةَ عليه، والتَّثْبِيْتَ عليه، فقَدْ يعرف الإِنْسانُ الصِّراطَ
المستقيمَ، لكنَّه لا يسير عليه، بل تميل به شهواتُه ورغباتُه فلا يسير عليه وإِنْ
كان يعرفه، وهذا من المغضوب عليه، وقَدْ لا يعرف الصِّراطَ المستقيمَ فيعمل على
جَهْلٍ وهذا هو الضَّالُّ، فلا بدَّ مِن أَمْرَيْنِ: معرفةِ الصِّراط المستقيم،
ثمَّ الثَّباتِ عليه، وهذا هو معنى: {ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] أي:
دُلَّنَا وأَرْشِدْنَا وثَبِّتْنَا على الصِّراطِ المستقيمِ.
وقولُه: «فإِذَا كان يومُ لقائِه نَصَبَ لخَلْقِه
صراطاً مستقيماً يُوَصِّلُهُمْ إِلَى جَنَّتِه» كما أَنَّ في الدُّنْيَا
صراطاً مستقيماً، كذلك في الآخرةِ صراطٌ يُنْصَبُ على مَتْنِ جَهَنَّمَ يَمُرُّ
عليه العِبَادُ على قدرِ أَعْمالِهم، فمن كان في هذه الدُّنْيَا على الصِّراطِ
المستقيمِ فإِنَّه يَعْبُرُ على الصِّراطِ الذي في الآخرة، ومَن كان على غيرِ
الصِّراطِ المستقيمِ في هذه الدُّنْيَا فإِنَّه يَزِلُّ على الصِّراطِ الذي في
الآخرةِ.
فهذه الدُّنْيَا دارُ
العملِ، إِذَا فَاتَتْ فَاتَتِ السَّعادةُ كلُّها، مَن ضيَّعها بالغفلةِ
واللَّهْوِ والمعاصي والغفلاتِ ضَاعَ في الآخرة، ومَن حَفَظَها واسْتَعْمَلَها في
طاعةِ اللهِ سَعِدَ في الآخرةِ.
فهذه الدُّنْيَا ليست سَهْلَةً، وإِنْ كان عُمْرُ الإِنْسانِ فيها قصيراً، فإِنَّها لها أَهْمِيَّةٌ عظيمةٌ، حياتُك في هذه الدُّنْيَا هي مناطُ سعادتِك أَوْ شقاوتِك، فإِذَا ضَيَّعْتَ الدُّنْيَا ضَاعَتِ الآخرةُ، وإِذَا حَفَظْتَ الدُّنْيَا حُفِظَتْ لك الآخرةُ، وإِذَا انتهى أَجَلُك فلن تعودَ إِلَى الدُّنْيَا، «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» ([1]).
([1])أخرجه: مسلم رقم (3651).