وَمِنْهَا: التَّثْبِيطُ عَنِ الطَّاعَةِ،
وَالإِْقْعَادُ عَنْهَا.
وَمِنْهَا: جَعْلُ الْقَلْبِ
أَصَمَّ لاَ يَسْمَعُ الْحَقَّ، أَبْكَمَ لاَ يَنْطِقُ بِهِ، أَعْمَى لاَ يَرَاهُ،
فَتَصِيرُ النِّسْبَةُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَنْفَعُهُ
غَيْرُهُ، كَالنِّسْبَةِ بَيْنَ أُذُنِ الأَْصَمِّ وَالأَْصْوَاتِ، وَعَيْنِ
الأَْعْمَى وَالأَْلْوَانِ، وَلِسَانِ الأَْخْرَسِ وَالْكَلاَمِ.
وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ
الْعَمَى وَالصَّمَمَ وَالْبَكَمَ لِلْقَلْبِ بِالذَّاتِ والْحَقِيقَةُ،
وَلِلْجَوَارِحِ بِالْعَرَضِ وَالتَّبَعِيَّةِ {فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ
وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ} [الْحَجِّ: 46] .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ
الْعَمَى الْحِسِّيِّ عَنِ الْبَصَرِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { لَّيۡسَ
عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ} [النُّورِ: 61] ، وَقَالَ: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١أَن
جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ ٢} [عَبَسَ: 1- 2] ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْعَمَى
التَّامُّ فِي الْحَقِيقَةِ: عَمَى الْقَلْبِ.
حَتَّى إِنَّ عَمَى
الْبَصَرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَلاَ عَمًى، حَتَّى إِنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم : «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ
عِنْدَ الْغَضَبِ» ([1]) وَقَوْلِهِ صلى
الله عليه وسلم : «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ
وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لاَ يَسْأَلُ النَّاسَ، وَلاَ
يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ» ([2]) وَنَظَائِرُهُ
كَثِيرَةٌ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مِن
عُقوبات المَعاصي جَعْلَ الْقَلْبِ أَعْمَى أَصَمَّ أَبْكَمَ.
وَمِنْهَا: الْخَسْفُ بِالْقَلْبِ كَمَا يُخْسَفُ بِالْمَكَانِ وَمَا فِيهِ، فَيُخْسَفُ بِهِ إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ وَصَاحِبُهُ لاَ يَشْعُرُ، وَعَلاَمَةُ الْخَسْفِ بِهِ أَنَّهُ لاَ يَزَالُ جَوَّالاً حَوْلَ السُّفْلِيَّاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَالرَّذَائِلِ،
([1])أخرجه: البخاري رقم (6114)، ومسلم رقم (609).