كَمَا أَنَّ الْقَلْبَ
الَّذِي رَفَعَهُ اللَّهُ وَقَرَّبَهُ إِلَيْهِ لاَ يَزَالُ جَوَّالاً حَوْلَ
الْبِرِّ وَالْخَيْرِ وَمَعَالِي الأَْعْمَالِ وَالأَْقْوَالِ وَالأَْخْلاَقِ.
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «إِنَّ
هَذِهِ الْقُلُوبَ جَوَّالَةٌ، فَمِنْهَا مَا يَجُولُ حَوْلَ الْعَرْشِ، وَمِنْهَا
مَا يَجُولُ حَوْلَ الْحُشِّ» ([1]).
****
الشرح
قوله: «وَمِنْهَا» أي: مِن عُقوبات المَعاصي «التَّثْبِيطُ عَنِ الطَّاعَةِ» فيثبِّط
اللهُ الإنسانَ عن الطاعةِ عُقوبة له، كما قالَ اللهُ تبارك وتعالى في المُنافقين:
{وَلَٰكِن
كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} [التوبة: 46] ، عَاقبهم
لتأخُّرهم عن الخُروج مع الرسولِ صلى الله عليه وسلم في غَزوةِ تَبُوك، وهَذا
قَضاء وقَدَر مِن اللهِ لحِكمة: { لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا
زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ
وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ} [التوبة: 47] .
هذه هِي الحِكمة في أن اللهَ
ثبَّطهم: لئلاَّ يَضُرّوا المُسلمين بالإيقاعِ بينَهم، والنَّمِيمة، والغِيبة،
وتَثبيط المُسلمين عن قِتال العَدُوّ، وإلقاءِ الشُّبُهات، فاللهُ حبسَهم رحمةً
بالمُسلمين، وعُقوبة لهم؛ لمَّا عَلِم اللهُ جل وعلا ذلك مِنهم كَرِه انبعاثَهم،
فثبَّطهم عن الخُروج مع المُؤمنين.
وقوله: «جَعْلُ الْقَلْبِ أَصَمَّ لاَ يَسْمَعُ الْحَقَّ» كما في قَوله تَعالى: {صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} [البقرة: 171] ، ثَلاث آفاتٍ: الصَّمَم: فلا يَسمع الحقَّ، والبَكَم: فلا ينطقُ بالحقِّ، وإنما كَلامه في الباطلِ، والعَمَى: فلا يُبصِر البَصيرة النافعةَ؛ كالتفكُّر في مَخلوقات اللهِ، والاتِّعاظ، والاعتبارِ، كما أنَّ الأعمَى لا يَستفيد مِن الألوانِ والمَناظر الجَميلة، وكُله واحدٌ عِنده لأنه في ظُلمة.
([1])أخرجه: أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية (ص: 96).